للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنكره، بل عرفه كما عرفه البصر، وقيل: المرئي هو الله سبحانه، رآه صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه، وقيل: بقلبه كما سيأتي في فقه الحديث.

(ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية) "ثلاث" مبتدأ، سوغ الابتداء به مراعاة الوصف أو الإضافة. أي ثلاث كلمات، والفرية بكسر الفاء الكذب، يقال فرى الشيء يفريه فريا، وافتراه يفتريه افتراء إذا اختلقه، وجمع الفرية فرى، وفي رواية البخاري "أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب"؟ .

(أنظريني) أي أمهليني، واتركي لي فرصة الكلام.

(رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض) قال النووي: هكذا هو في الأصول "ما بين السماء إلى الأرض" وهو صحيح، وأما "عظم خلقه" فضبط على وجهين، أحدهما بضم العين وإسكان الظاء، والثاني بكسر العين وفتح الظاء، وكلاهما صحيح. اهـ.

(سبحان الله! لقد قف شعري لما قلت) "سبحان الله" مقصودها بذكره التعجب من جهل مثل هذا، وأما قولها "قف شعري" فمعناه قام شعري من الفزع، لسماعي ما لا ينبغي أن يقال. قال النضر بن شميل: القف بفتح القاف وتشديد الفاء كالقشعريرة، وأصله التقبض والاجتماع، لأن الجلد ينقبض عند الفزع والاستهوال، فيقوم الشعر لذلك.

(ثم دنا فتدلى) أي "ثم دنا" جبريل من رسول الله صلى الله عليه وسلم "فتدلى" فزاد في القرب، والتدلي هو النزول بقرب الشيء فالترتيب طبيعي، وقيل: التدلي هو الامتداد إلى جهة السفل، والكلام على التقديم والتأخير، وأصله: {علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى} [النجم: ٥ - ٧] ثم تدلى فدنا، لأن التدلي سبب الدنو. فالفرق بين الرأيين في معنى التدلي، هل هو القرب بعد العلو فالترتيب طبيعي، أو هو الامتداد إلى جهة السفل، ففي الكلام تقديم من تأخير، وقيل على الرأي الثاني أيضا: ثم دنا جبريل من الأرض بعد استوائه في الأفق الأعلى ونزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(فكان قاب قوسين أو أدنى) القاب في اللغة القدر، وقد جاء التقدير بالقوس والرمح والسوط، والمعنى: فكانت مسافة القرب مقدار قوسين أو أقرب. ولما كان الأصل في معنى "أو" الشك، والله منزه عن الشك عليم بحقائق الأشياء قيل: إن "أو" بمعنى "بل" فهي للإضراب والانتقال. وقيل: إن الشك بالنظر للمخاطبين إذ الله خاطب العباد على لغتهم، ومقدار فهمهم، والمعنى: أدنى من القوسين في تقديركم.

(فأوحى إلى عبده ما أوحى) المراد من العبد محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: جبريل، وفي تقدير المعنى آراء للمفسرين، أشهرها وأكثرها: فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى، وقيل: فأوحى الله تعالى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى، وقيل: فأوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى، فبلغ جبريل محمدا ما أوحي إليه. وكل هذه الأقوال صالحة على أن الذي دنا فتدلى جبريل، أما على قول من يرى أنه رب العزة فلا يناسبه إلا القول الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>