للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويتزعم القول بإثبات الرؤية ابن عباس وكعب والحسن، وبه قال سائر أصحاب ابن عباس، وجزم به الزهري وصاحبه معمر وآخرون، وهو قول الأشعري وغالب أتباعه، نعم ذهب بعض هؤلاء إلى الرأي الثالث وهو أن الرؤيا كانت بالفؤاد لا بالعين، وقد أخرج النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: "أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ .

وأخرج ابن إسحاق أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس: هل محمد رأى ربه؟ فأرسل إليه أن نعم. وروايتنا الثالثة يقول فيها ابن عباس "رأى ربه بفؤاده مرتين".

وأخرج الترمذي عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه. قلت: أليس الله يقول: {لا تدركه الأبصار} قال: ويحك. ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربه مرتين".

وقد مال النووي إلى هذا الجانب فنقل عن صاحب التحرير قوله: إن عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لم أر ربي، وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة بقول الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم} ولقول الله تعالى: {لا تدركه الأبصار} والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة، وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها، فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن وإنما يتلقى بالسماع. ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد، وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس، ثم إن ابن عباس أثبت شيئا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. هذا كلام صاحب التحرير. ثم النووي. فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء. لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم. وإثبات مثل هذا مما لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه، ثم إن عائشة -رضي الله عنها- لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان معها فيه حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات، وسنوضح الجواب عنها. فأما احتجاج عائشة بقول الله تعالى: {لا تدركه الأبصار} فجوابه ظاهر، فإن الإدراك هو الإحاطة، والله تعالى لا يحاط به، وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة، وأما احتجاجها -رضي الله عنها- بقول الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب .. } الآية فالجواب عنه من أوجه:

أحدها: أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية، فيجوز وجود الرؤية من غير كلام.

الثاني: أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة.

الثالث: ما قاله بعض العلماء: إن المراد بالوحي الكلام من غير واسطة. اهـ.

وقد حمل الحافظ ابن حجر على الإمام النووي لجزمه بأن عائشة لم تنف الرؤية بحديث مرفوع فقال: إن هذا عجيب، فقد ثبت ذلك عنها في صحيح مسلم الذي شرحه الشيخ، فعنده عن مسروق قال: وكنت متكئا فجلست، فقلت: ألم يقل الله: {ولقد رآه نزلة أخرى} فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إنما هو جبريل. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>