أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الغار "لو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا" قال القاضي وهذا لا حجة فيه لأنه إنما أخبر عن مستقبل وليس فيه دعوى لرد قدر بعد وقوعه قال وكذا جميع ما ذكره البخاري في باب ما يجوز من "اللو" كحديث "لولا حدثان قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم" و"لو كنت راجما بغير بينة لرجمت هذه" و"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك" وشبه ذلك فكله مستقبل لا اعتراض فيه على قدر فلا كراهة فيه لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع وعما هو في قدرته فأما ما ذهب فليس في قدرته قال القاضي فالذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه لكنه نهي تنزيه ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم "فإن لو تفتح عمل الشيطان" أي يلقي في القلب معارضة القدر ويوسوس به الشيطان اهـ
وقال النووي قد جاء استعمال "لو" في الماضي في قوله صلى الله عليه وسلم "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" وغير ذلك فالظاهر أن النهي إنما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه فيكون نهي تنزيه لا تحريم فأما من قاله تأسفا على ما فات من طاعة الله تعالى أو ما هو متعذر عليه من ذلك ونحو هذا فلا بأس به وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث اهـ
وقال القرطبي في المفهم المراد من الحديث أن الذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله والرضا بما قدر والإعراض عن الالتفات لما فات فإنه إذا فكر فيما فات من ذلك فقال لو أني فعلت كذا لكان كذا جاءته وساوس الشيطان فلا تزال به حتى يفضي إلى الخسران فنهى عن أسباب عمل الشيطان بقوله "فلا تقل "لو" فإن "لو" تفتح عمل الشيطان" وليس المراد ترك النطق بلو مطلقا إذ قد نطق النبي صلى الله عليه وسلم بها في عدة أحاديث ولكن محل النهي عن إطلاقها إنما هو فيما إذا أطلقت معارضة للقدر مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور لا ما إذا أخبر بالمانع على جهة أن يتعلق به فائدة في المستقبل فإن مثل هذا لا يختلف في جواز إطلاقه وليس فيه فتح لعمل الشيطان ولا ما يفضى إلى تحريم