قال النووي فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا فأما إذا خاف ضررا في دينه أو فتنة فيه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث وغيره وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم قال وفيه أنه إن خالف ولم يصبر على حاله في بلواه بالمرض ونحوه فليقل اللهم أحيني إن كانت الحياة خيرا لي ... إلخ والأفضل الصبر والسكون للقضاء اهـ
وقلنا إن بعض السلف حملوا هذا الحديث على الضرر الدنيوي كما أشار إلى ذلك النووي قال الحافظ ابن حجر ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية ابن حبان "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا" على أن "في" سببية أي بسبب أمر من أمور الدنيا وقول النووي وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف يشير بذلك إلى ما في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال "اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط" ويروى أن عابس الغفاري قال "يا طاعون خذني فقال له عليم الكندي لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يتمنين أحدكم الموت"؟ فقال إني سمعته يقول "بادروا بالموت ستا إمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم .. " وأخرج أبو داود وصححه الحاكم حديث معاذ وفيه "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون"
وقد استشكل الحديث بأن أوله نهي عن تمني الموت وآخره إجازة لتمني الموت وأجيب بأن النهي موجه إلى التمني المطلق وفيه نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم وفي آخره جواز التمني المقيد وفيه نوع من التفويض والتسليم للقضاء وفي الأمر بالقول "اللهم أحيني ... " إلخ أن الأمر يصرف عن حقيقته من الوجوب والاستحباب إلى الإباحة وخاصة إذا كان بعد حظر فإنه يكون لمطلق الإذن
وقد أخذ بعضهم من مفهوم قوله في روايتنا الرابعة "من قبل أن يأتيه" أنه إذا حل به لا يمنع من تمنيه رضا بلقاء الله فقد قال صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى"
وقد استشكل على الحديث وهو يفيد أن طول العمر خير بأن طول العمر قد يكون شرا فقد يرتد عن الإيمان والعياذ بالله وأجيب بأن ذلك نادر وبأن من سبق عليه القدر بخاتمة السوء فلا بد من وقوعها طال عمره أو قصر فتعجيله طلب الموت لا خير فيه