(إنه ليغان على قلبي) الغين بفتح الغين هو شيء يعتري القلب مما يقع من حديث النفس وقيل هي حالة خشية وإعظام والاستغفار شكرها وقال المحاسبي وخوف المقربين خوف إجلال وإعظام وقال السهروردي لا يعتقد أن الغين حالة نقص بل هو كمال أو تتمة كمال ثم مثل ذلك بجفن العين حين يسيل ليدفع القذى عن العين مثلا فإنه يمنع العين من الرؤية فهو من هذه الحيثية نقص وفي الحقيقة هو كمال وقيل الغين يشبه الغيم والمراد ما يتغشى القلب والمراد به هنا الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه فإذا فتر عنه أو غفل عد ذلك ذنبا فاستغفر منه قال القاضي وقيل هو همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم وقيل سبب اشتغاله النظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراته وتأليف المؤتلفة ونحو ذلك فيشتغل بذلك من عظم مقامه فيراه ذنبا بالنسبة لعظيم منزلته وستأتي تتمة لهذه المسألة في فقه الحديث
(من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه) قال العلماء هذا حد قبول التوبة وقد جاء في الحديث الصحيح "إن للتوبة بابا مفتوحا لا تزال مقبولة حتى يغلق فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق" وامتنعت التوبة على من لم يكن تاب قبل ذلك وهو معنى قوله تعالى {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا}[الأنعام ١٥٨] ومعنى "تاب الله عليه" قبل توبته ورضي بها ومثل طلوع الشمس من مغربها الغرغرة بالنسبة لكل من يموت
-[فقه الحديث]-
قال القرطبي في المفهم اختلفت عبارات المشايخ في التوبة ما هي؟ فقائل يقول إنها الندم وآخر يقول إنها العزم على أن لا يعود وآخر يقول الإقلاع عن الذنب ومنهم من يجمع بين الأمور الثلاثة وهو أكملها غير أنه غير مانع ولا جامع أما أولا فلأنه قد يجمع الثلاثة ولا يكون تائبا شرعا إذ قد يفعل ذلك شحا على ماله أو لئلا يعيره الناس بذنبه ولا تصح التوبة الشرعية إلا بالإخلاص ومن ترك الذنب لغير الله لا يكون تائبا اتفاقا
وأما ثانيا فلأنه يخرج منه من زنى مثلا ثم جب ذكره فإنه لا يتأتى منه غير الندم على ما مضى وأما العزم على عدم العود فلا يتصور منه قال وبهذا اغتر من قال إن الندم يكفي في حد التوبة وليس كما قال لأنه لو ندم ولم يقلع وعزم على العود لم يكن تائبا اتفاقا قال وقال بعض المحققين هي اختيار ترك ذنب سبق حقيقة أو تقديرا لأجل الله قال وهذا أسد العبارات وأجمعها