للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جزالة من حيث صنعة الكلام وفيه جمع النبوة والرسالة فإذا قال "ورسولك الذي أرسلت" فإن فيه من تكرير لفظ "رسول" و"أرسلت" وأهل البلاغة يعيبونه وقد قدمنا في أول الكتاب في شرح خطبة هذا الكتاب أنه لا يلزم من الرسالة النبوة ولا عكسه وقال القرطبي تبعا لغيره هذا حجة لمن لم يجز الرواية بالمعنى وهو الصحيح من مذهب مالك فإن لفظ النبوة والرسالة مختلفان في أصل الوضع فإن النبوة من النبأ وهو الخبر فالنبي في العرف المنبأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفا وإن أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول وإلا فهو نبي غير رسول وعلى هذا فكل رسول نبي ولا عكس فأراد صلى الله عليه وسلم أن يجمع بينهما في اللفظ لاجتماعهما في النبأ وليخرج عن شبه التكرار في اللفظ من غير فائدة فإنه إذا قال "ورسولك" فقد فهم منه أنه أرسله فإذا قال "الذي أرسلت" صار كالحشو الذي لا فائدة فيه.

قال الحافظ ابن حجر وأما الاستدلال به لمنع الرواية بالمعنى مطلقا ففيه نظر وخصوصا إبدال الرسول بالنبي وعكسه إذا وقع في الرواية لأن الذات المحدث عنها واحدة فالمراد يفهم بأي صفة وصف بها الموصوف إذا ثبتت الصفة له وهذا بناء على أن السبب في منع الرواية بالمعنى أن الذي يستجيز ذلك قد يظن أنه يوفى بمعنى اللفظ الآخر ولا يكون كذلك في نفس الأمر كما عهد في كثير من الأحاديث فالاحتياط الإتيان باللفظ فعلى هذا إذا تحقق بالقطع أن المعنى فيهما متحد لم يضر ثم رجح الحافظ ما قاله المازري في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال "الرسول" بدل "النبي".

(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه قال اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) قال الزجاج النفس التي تفارق الإنسان عند النوم هي التي للتمييز والتي تفارقه عند الموت هي التي للحياة وهي التي يزول معها التنفس وسمى النوم موتا لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلا وتشبيها اهـ ويحتمل أن يكون المراد من الموت هنا السكون من قولهم ماتت الريح أي سكنت فيحتمل أن يكون أطلق الموت على النائم بمعنى إرادة السكون لحركته لقوله تعالى {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} [يونس ٦٧] قاله الطيبي.

وقال القرطبي النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهرا وهو النوم ولذا قيل النوم أخو الموت وباطنا وهو الموت فإطلاق الموت على النوم يكون مجازا لاشتراكهما في مطلق انقطاع الروح بالبدن.

وقال الطيبي الحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه فمن نام زال عنه هذا الانتفاع فكان كالميت فحمد الله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع قال وهذا التأويل موافق للحديث روايتنا الرابعة عشرة "إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها" وينتظم مع قوله "وإليه النشور" أي وإليه المرجع في نيل الثواب بما يكتسب في الحياة

<<  <  ج: ص:  >  >>