ملائكته المستغفرين لمن في الأرض لأن استغفارهم لهم دال على أن في نفوسهم الرحمة لأهل الأرض
وقال القرطبي مقتضى هذا الحديث أن الله علم أن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مائة نوع فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم وحصلت به مرافقهم فإذا كان يوم القيامة كمل لعبادة المؤمنين ما بقى فبلغت مائة وكلها للمؤمنين اهـ
وتفسير الرحمة بالنعمة على الناس عامة لا يناسب بقية ألفاظ الأحاديث التي تفيد أن المراد بالرحمة نعمة واحدة من النعم التي منحها الإنسان وغيره في الدنيا وهي نعمة الحب والتعاطف والشفقة ورقة القلوب
(عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي) فيه نساء وكان هذا السبي من هوازن ولفظ "قدم" ضبط بضم القاف وكسر الدال
(فإذا امرأة من السبي تبتغي) قال النووي هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم "تبتغي" من الابتغاء وهو الطلب قال القاضي عياض وهذا وهم والصواب ما في رواية البخاري "تسعى" بالسين من السعي قال النووي وكلاهما صحيح صواب لا وهم فيه فهي ساعية وطالبة مبتغية لابنها
(إذا وجدت صبيا من السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته) وفي رواية للبخاري "فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها تسقي""ثديها" بالرفع على الفاعلة أي تسيل ثديها باللبن وفي رواية "ثدياها" بالتثنية و"تحلب" بفتح التاء والحاء وتشديد اللام المفتوحة وأصله تتحلب ومفعول "تسقي" محذوف أي الأطفال التي في السبي "إذا وجدت صبيا أخذته فأرضعته فوجدت صبيا فأخذته فألزمته بطنها" وعرف من السياق أنها كانت قد فقدت صبيها فكانت كلما وجدت صبيا حنت له واندفعت بالرحمة نحوه فضمته لصدرها وليس كما قال الحافظ ابن حجر أنها كانت تفعل ذلك لتضررها باجتماع اللبن في ثديها فقد كان بإمكانها حلبه وإهداره ولما كان الحديث مستدلا به على الرحمة
(أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار قلنا لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه)"أترون" بضم التاء أي أتظنون بهذه الرحمة التي هي عليها ترمي ولدها في النار قالوا لا والله لا تطرحه في النار طائعة أبدا
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أرحم بعباده من هذه بولدها)"لله" بفتح اللام الأولى وهي لام تأكيد وصرح بالقسم في رواية فقال والله لله أرحم والمراد من العباد هنا قيل من مات على الإسلام وسيأتي في فقه الحديث توضيح هذه المسألة
(لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما