في ربط الآيتين ببكائه صلى الله عليه وسلم ودعائه قال بعضهم إن إبراهيم طلب المغفرة لمن عصى من أمته بقوله:{ومن عصاني فإنك غفور رحيم} وأن عيسى عرض بطلب المغفرة لقومه بقوله: {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فخشي صلى الله عليه وسلم على أمته، وأشفق على العصاة منها، فسأل فيها ربه وبكى. واستدل هذا القائل بالآيتين على أنهما (إبراهيم وعيسى) سألا المغفرة للكافر، وأن الشرك يجوز أن يغفر، وهذا القول مبني على ما قاله النووي من أن مغفرة الشرك كانت في الشرائع القديمة جائزة في أممهم، وإنما امتنعت في شرعنا.
وذهب بعضهم إلى أنه لا دليل في الآية على التعريض بطلب المغفرة للكافر، وسؤاله صلى الله عليه وسلم لا يدل على أن في الآية تعريضا لسؤال المغفرة للكافر، وكل ما هنالك أنه صلى الله عليه وسلم رأى أخويه قد سألا أو عرضا بسؤال المغفرة فطلبها لأمته، وقد روى النسائي والبيهقي عن أبي ذر قال:"صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية، حتى أصبح يركع ويسجد بها {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فلما أصبح قلت: يا رسول الله، مازلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت؟ قال: إني سألت ربي سبحانه وتعالى الشفاعة، فأعطانيها، وهي نائلة -إن شاء الله- من مات لا يشرك به شيئا" وعند ابن مردويه عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، قمت الليلة بآية من القرآن؟ قال:"دعوت الله سبحانه لأمتي". قال: فبماذا أجبت؟ قال:"أجبت بالذي لو اطلع كثير منهم عليه تركوا الصلاة".
والحكمة في إرسال جبريل لسؤاله إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم.
-[ويؤخذ من هذا الحديث]-
١ - كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، واعتنائه بمصالحهم واهتمامه بأمرهم.
٢ - استحباب رفع اليدين في الدعاء.
٣ - البشارة العظيمة لهذه الأمة -زادها الله شرفا- بما وعدها الله تعالى.
٤ - بيان عظم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى، وعظم لطفه به، وأنه بالمحل الأعلى، فيسترضى، ويكرم بما يرضيه، وهذا الحديث موافق لقوله تعالى:{ولسوف يعطيك ربك فترضى}[الضحى: ٥].