للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والتحقيق: أن التوكل يحصل بأن يثق بوعد الله، ويوقن بأن قضاءه واقع، ويعمل ويتبع السنة في الأخذ بالأسباب، وفي ابتغاء الرزق، مصداقا لقوله تعالى: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} [الملك: ١٥] ومع ذلك فلا يطمئن إلى الأسباب بقلبه، بل يعتقد أنها لا تجلب بذاتها نفعا، ولا تدفع ضرا، بل السبب والمسبب فعل الله تعالى، والكل بمشيئته، فإذا وقع من المرء ركون إلى السبب قدح في توكله، والناس مع التوكل على قسمين: واصل، وسالك، فالأول صفة الواصل، وهو الذي لا يلتفت إلى الأسباب ولو تعاطاها، وأما السالك فيقع له الالتفات إلى السبب أحيانا، إلا أنه يدفع ذلك عن نفسه بالطرق العلمية إلى أن يرقى إلى مقام الواصل. والمعتدلون من المتصوفة على ذلك، إذ يقول أبو القاسم القشيري: التوكل محله القلب، وأما الحركة الظاهرة فلا تنافيه إذا تحقق العبد أن الكل من الله تعالى، فإن تيسر شيء فبتيسيره، وإن تعسر فبتقديره. والله أعلم.

-[ويؤخذ من الحديث]-

١ - فضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

٢ - وأن أهل الجنة يختلف جمالهم وبهاؤهم كما تختلف درجاتهم.

٣ - وفيه منقبة لعكاشة، حيث جاء في الخبر الصادق أنه ممن يدخل الجنة بغير حساب، وقد جاء في بعض الروايات "أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم" وجمع الحافظ ابن حجر بين هذه الرواية وبين ما جاء في رواياتنا بأنه سأل الدعاء أولا. فدعا له ثم استفهم، فقيل له: أجيب لك الدعاء.

٤ - وفي الحديث لطف النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وحسن أدبه معهم؛ إذ لم يقل للرجل الآخر: لست منهم، أو لست على أخلاقهم، واكتفى بقوله: "سبقك بها عكاشة" وقد كثر الكلام حول حقيقة هذا الرجل الآخر، فقيل: كان منافقا، وقيل: كان من خيار المهاجرين، وقيل: كان من خيار الأنصار. قال ابن الجوزي: يظهر لي أن الأول سأل عن صدق قلب فأجيب، وأما الثاني: فيحتمل أن يكون أريد بما حسم المادة فلو قال للثاني: نعم. لأوشك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية، وليس كل الناس يصلح لذلك. وقال القرطبي: لم يكن عند الثاني من تلك الأحوال ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجب. قال: وهذا أولى من قول من قال: كان منافقا لوجهين:

أحدهما: أن الأصل في الصحابة عدم النفاق، فلا يثبت ما يخالف ذلك إلا بنقل صحيح.

الثاني: أنه قل أن يصدر مثل هذا السؤال إلا عن قصد صحيح، ويقين بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقال السهيلي: الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها صلى الله عليه وسلم، واتفق أن الرجل الثاني قال بعد ما انقضت.

وصحح النووي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أنه يجاب في حق عكاشة، ولا يجاب من الآخر.

٥ - وفيه أدب الصحابة، وحسن عشرتهم، وسترهم على من يتوهم فيه النقص، فأبرزوا اسم عكاشة، وأبهموا اسم الرجل الآخر مع علمهم به.

<<  <  ج: ص:  >  >>