أخرى دليل على الاعتناء به، ودوام ملاحظته، وفيه فائدة أخرى، هي تكريره البشارة، مرة بعد أخرى، وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وتحميده على كثرة نعمه. اهـ. وقال ابن التين: ذكره بلفظ الاستفهام لإرادة البشارة بذلك، وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم. اهـ.
وظاهر الحديث أن نهاية البشرى كون المسلمين من هذه الأمة نصف أهل الجنة، وهذا يعارض ما أخرجه أحمد وابن أبي حاتم، من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت {ثلة من الأولين* وثلة من الآخرين}[الواقعة: ٣٩ - ٤٠] فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، بل ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة، وتقاسمونهم في النصف الثاني" وما أخرجه الطبراني من وجه آخر عن أبي هريرة، بلفظ "أنتم ربع أهل الجنة، أنتم ثلث أهل الجنة، أنتم نصف أهل الجنة. أنتم ثلثا أهل الجنة" وما أخرجه أحمد والترمذي من حديث بريدة رفعه "أهل الجنة عشرون ومائة صف، أمتي منها ثمانون صفا" وقد رفع هذا التعارض بأنه صلى الله عليه وسلم لما رجا رحمة ربه أن تكون أمته نصف أهل الجنة، أعطاه ما ارتجاه، وزاده، وهو نحو قوله تعالى:{ولسوف يعطيك ربك فترضى}[الضحى: ٥].
وقريب من هذا ما يقال للتوفيق بين الروايات التي ساقت البشرى بأسلوب الرجاء والطمع، وبين الروايات التي ساقتها بأسلوب القطع والجزم، كأنه رجا أولا فأجيب، فأخبر صلى الله عليه وسلم.
وإنما خص آدم بإخراج بعث النار لكونه والد الجميع، ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء، فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة، كما تقدم في حديث الإسراء، وقد أخرج ابن أبي الدنيا من مرسل الحسن قال "يقول الله لآدم: يا آدم. أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، قم فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم".
وقد أشكل قوله في الحديث في روايته الرابعة "فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد" مما يفيد أن ذلك يقع في الموقف، أشكل بأن ذلك الوقت لا حمل فيه ولا وضع ولا شيب، وأجاب الكرماني بأن ذلك وقع على سبيل التمثيل والتهويل، والتقدير: أن الحال ينتهي إلى أنه لو كانت النساء حينئذ حوامل لوضعت، كما تقول العرب: أصابنا أمر يشيب منه الوليد؛ ونقل مثل هذا عن الحسن البصري في تفسير الآية، فقال: المعنى أن لو كانت هناك مرضعة لذهلت، وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يحمل على حقيقته، فإن كل أحد يبعث على ما مات عليه، فتبعث حاملا، والمرضع مرضعة والطفل طفلا، فإذا وقعت زلزلة الساعة، وقيل ذلك اليوم لآدم ما قيل ورأى الناس آدم، وسمعوا ما قيل له، وقع بهم من الوجل ما يسقط معه الحمل، ويشيب له الطفل، وتذهل به المرضعة. اهـ.
ومال إلى هذا القرطبي فقال: يحتمل أن يكون المعنى أن ذاك حين يقع لا يهم كل أحد إلا نفسه، حتى إن الحامل تسقط من مثله، والمرضعة الخ، ونقل ما ذكره الحليمي، واستحسنه من قوله: يحتمل أن يحيي الله حينئذ كل حمل كان قد تم خلقه، ونفخت فيه الروح، فتذهل الأم حينئذ عنه، لأنها