للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء. سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

-[المعنى العام]-

كان أبو هريرة رضي الله عنه يحافظ على إسباغ الوضوء، وعلى التأكد من تمامه وكماله، وكان يحرص على المبالغة في غسل أعضائه بغسل جزء زائد على الواجب، بل بالغ في هذا الجزء الزائد حتى وصل في غسل يديه إلى إبطيه، وفي غسل رجليه إلى ركبتيه، فسئل عن ذلك حيث إنه قدوة، ومن أئمة الآخذين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أكثر المكثرين من رواية الحديث.

فقال: أتينا البقيع (مقابر أهل المدينة) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. ثم التفت إلينا فقال: تمنيت أن لو قد رأينا إخواننا، قلنا: من تقصد بإخواننا يا رسول الله؟ أولسنا إخوانك؟ قال صلى الله عليه وسلم: أنتم أصحابي وإخواني، أما الذين أقصدهم فهم إخواننا وليسوا أصحابنا، هم الذين لم يأتوا بعد، وسيأتون في الأزمان التي بعدنا.

إن حوضي يوم القيامة واسع الأرجاء، عرضه كما بين أيلة وعدن، يسير حوله الراكب مسيرة شهر، شرابه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من المسك، آنيته لامعة كثيرة، مثل نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا، أنادي له أصحابي وأتباعي، وأصد عنه غير أمتي.

قالوا: يا رسول الله. أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم. قالوا: وكيف تعرف من يؤمن بك من أمتك ممن يأتي بعدك يا رسول الله؟ قال: أخبروني لو أن لأحدكم خيلا في جبهتها بياض وفي قوائمها بياض، في وسط خيل سود سوادا كاملا لا بياض في لونها، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يعرفها يا رسول الله، قال: فإنكم تردون حوضي يوم القيامة وفي وجوهكم نور، وفي أيديكم نور، وفي أرجلكم نور، علامة ليست لأحد من الأمم غيركم، وإنه ليبلغ نور أعضائكم حيث يبلغ الوضوء منها، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله، وأن يوسع نوره فليسبغ الوضوء، وليبالغ في غسل أعضائه، ولئن كان لإسباغ الوضوء هذا الفضل الكبير، والأثر العظيم، فإن فعل الواجبات، والبعد عن المحرمات أساس لهذا الفوز المبين، لأنني قد أرى (يوم القيامة، وأنا واقف على الحوض) رجالا أظنهم من أمتي، فأناديهم: تعالوا، هلموا إلى حوضي، فيحول بيني وبينهم ملك، فيحولهم عن حوضي، فأقول: إلى أين؟ فيقول: إلى النار. فأقول: وما شأنهم، وإني لأظنهم مسلمين؟ وإني لأظنهم من أصحابي؟ فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم بدلوا وغيروا، فأقول سحقا. سحقا. وبعدا لهؤلاء القوم بعدا. وما ربك بظلام للعبيد.

فاللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا، إنك غفور رحيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>