للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لوددت أن صاحبكم لا يشدد. هذا التشديد فلقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى. فأتى سباطة خلف حائط. فقام كما يقوم أحدكم. فبال. فانتبذت منه. فأشار إلي فجئت. فقمت عند عقبه حتى فرغ.

-[المعنى العام]-

كان العرب في جاهليتهم تغلب عليهم البداوة، وتتسم حياتهم بالانسياب مع الطبيعة والبساطة، يتبرز الراعي منهم خلف غنمه أو بقره أو إبله، والزارع في مزرعته، ولا يخرج من بالبلدة إلى الخلاء وتخرج النساء لحاجتها ليلا إلى الصحراء، ويتلمس الماشي في شوارعها خرابة أو مزبلة، يقضي فيها بوله، وفي جميع هذه الحالات لا يكادون يعرفون الاستنجاء بالماء، لعدم وجوده تارة ولصعوبة حمله تارة أخرى.

وجاء الإسلام، دين النظافة، دين الاجتماع، دين الشعور المرهف، دين الإنسانية والحياء، لم يشأ أن يطلب إليهم بناء الكنف والمراحيض، لأنهم لم يألفوا الرائحة الكريهة في بيوتهم التي لم تكن تضم غالبا إلا حجرة واحدة، فشرع آداب قضاء الحاجة بقطع النظر عن مكانها، وعجب الكفار من محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به الإسلام، فقال قائلهم لسلمان الفارسي مستهزئا "علمكم نبيكم كل شيء حتى أمور الخراءة؟ " ولم يعبأ سلمان بسخريته بل أجاب بكل فخر واعتزاز: نعم. علمنا كل شيء، حتى ما ينبغي أن نكون عليه عند قضاء الحاجة علمنا احترام القبلة وتقديسها، وتنزيهها عن أن نستقبلها أو نستدبرها ببول أو غائط، وعلمنا أن نحافظ على نظافة يميننا لطعامنا وشرابنا، وأن نجعل الشمال لاستنجائنا، ودعانا إلى النظافة والتخلص من آثار فضلاتنا، وأن نتتبع كلا من مخرج البول والغائط بثلاثة أحجار على الأقل، بل علمنا أن لا نستخدم في هذا الإنقاء العظم والروث والبعر وكل رجيع.

ورغم المشقة في تنفيذ هذه التعليمات بحكم البيئة، فقد حافظ عليها المسلمون وحرصوا على القيام بها بكل عناية، حتى يوم أن قدموا الشام واضطروا إلى قضاء الحاجة بالمراحيض، ووجدوها في بنائها مستقبلات للقبلة أو مستدبرات، كان الواحد منهم ينحرف عند الجلوس عن الاستقبال والاستدبار، حتى إذا فرغ استغفر الله مما عساه يكون قد قصر فيه. ورأى بعض الغيورين على سماحة الإسلام أن في هذا تشددا لا يقصده الدين في تشريعاته فدعا إلى التيسير، وبين أن النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها ليس على سبيل الحرمة والإلزام، بل على سبيل التنزيه وعدم قصد الإهانة والتحقير، وعلى رأس هؤلاء الميسرين كان عبد الله بن عمر الذي حكى أنه صعد يوما بيت أخته حفصة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام حائطا قصيرا من الطوب، وأعد حفرة لبوله وغطائه هو ونساؤه ليحجبهن عن الصحراء، ووجده وقد جلس يقضي حاجته على لبنتين وقد استدبر القبلة.

ولم يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذكرنا من آداب قضاء الحاجة، بل نهي عن مس الذكر باليمين، وعن الاستنجاء باليمين، وعن البول قائما، وعن البول في الماء الراكد، وعن البول في طريق الناس، أو في ظلهم، وحث على الاستنجاء بالماء، وعلى التستر عند قضاء الحاجة، والابتعاد عن أعين الناس،

<<  <  ج: ص:  >  >>