للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مختصا بالذكر لكن يلحق به الدبر قياسا، والتنصيص على الذكر لا مفهوم له، بل فرج المرأة كذلك، وإنما خص الذكر بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما خص. ثم قال: والصواب في الصورة التي أوردها الخطابي ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزالي في "الوسيط" والبغوي في "التهذيب" أنه يمر العضو بيساره على شيء يمسكه بيمينه، وهي قارة غير متحركة، فلا يعد مستجمرا باليمين ولا ماسا بها، ومن ادعى أنه في هذه الحالة يكون مستجمرا بيمينه فقد غلط وإنما هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حالة الاستنجاء. اهـ.

وأرى أن الكل يعقد الصورة من غير موجب: فكل من الدبر والذكر سهل الاستجمار بالحجر بالشمال من غير إمساك بإمرار الحجر على مخرج الغائط والبول، فالملازمة التي ذكرها الخطابي غير لازمة، ولو استدعى الأمر إمساك الذكر لسبب من الأسباب فليمسك بحائل، على أن النهي للتنزيه، بل وقع في العتبية عن مالك عدم الكراهة، وذكر العلماء للحكمة، أنها كون اليمين معدة للأكل بها، فلو تعاطى ذلك بها لأمكن أن يتذكره عند الأكل، فيتأذى بذلك وأنه من قبيل إكرام اليمنى، وصيانتها عن الأقذار، وذكر العلماء لهذه الحكمة يوحى بأن التعقيد هنا لا موجب له، وخصوصا أنه لم يقل أحد بمنع معاونة اليمين للشمال في غسل الدم وغيره من النجاسات في غير الاستنجاء، فإن قيل: إن المنع خاص بالقبل والدبر قلنا: إن الظاهرية أنفسهم الذين حملوا النهي على التحريم يجيزون مس المرأة فرجها وذكر زوجها بيمينها، واستدل ابن أبي جمرة على إباحة مس الذكر في غير الاستنجاء بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن علي، حين سأله عن مس ذكره "إنما هو بضعة منك" وحمل العلماء المطلق في الحديث العاشر "نهى أن يمس ذكره بيمينه" على المقيد بحالة الاستنجاء ليبيحوه في غير الاستنجاء، وإن خالف في ذلك بعضهم، ومنع مس الذكر في الاستنجاء وغيره، مدعيا أنه نهي عنه مع مظنة الحاجة فيكون منهيا عنه في غيرها من باب أولى.

ولو قلنا إن الموضوع كله للتنزيه وللكمال والأفضل لم نبعد، فقد روى أبو داود بسند صحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من الأذى" وفي الحلية عن عثمان رضي الله عنه "ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم".

رابعا: حكم التيامن في الأمور، وبيان ما يتناول بالشمال: ولا يتعارض النهي عن الاستنجاء باليمين مع الحديث الثاني عشر ونصه "عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب اليمن في شأنه كله، في نعليه وترجله وطهوره" فإن عموم شأنه مخصص بما تقدم فيه الشمال. قال الحافظ ابن حجر: "في شأنه كله" متعلق بيحب، لا بالتيمن، أي يحب في شأنه كله التيمن، أي لا يترك ذلك سفرا ولا حضرا، ولا في فراغه ولا شغله. اهـ.

قال الأبي: والضابط أن الفعل إن استعملت فيه الجارحتان قدمت اليمين في فعل الراجح، والشمال في فعل المرجوح، فيبدأ باليمين في دخول المسجد وبالشمال في

<<  <  ج: ص:  >  >>