النجاسة العينية بدل على الندبية. اهـ. وفيما قاله الحافظ ابن حجر نظر، لأن الندبية في غير النجاسة العينية إنما هي في العدد لا في أصل الغسل، فليس فيه دليل على عدم الوجوب.
واحتج من قال بالوجوب بالأمر بإراقة الماء فيما أخرجه ابن عدي من قوله صلى الله عليه وسلم "فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء" ورد الجمهور بأن هذا الحديث ضعيف، بل قال المحدثون: إن هذه الزيادة منكرة.
والمحققون على أن هذا الحكم ليس خاصا بالقيام من نوم الليل، خلافا لأحمد والطبري وداود الظاهري حيث اعتمدوا على لفظ "المبيت" والتصريح بالليل فيما أخرجه أبو داود ونصه "إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده" وقالوا: إن الإنسان لا ينكشف في نوم النهار، كما ينكشف في نوم الليل، ونوم النهار قصير، ونوم الليل طويل، فاحتمال إصابة النجاسة فيه أكثر.
وأجاب الجمهور بأن لفظ "المبيت""ولفظ الليل" خرجا مخرج الغالب والعلة تقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل. نعم يمكن أن تكون الكراهة في الغمس لمن نام ليلا أشد منها لمن نام نهارا.
قال الشافعي -رحمه الله- وأحب لكل مستيقظ من النوم، قائلة كانت أو غيرها، أن لا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له، ولم يفسد ذلك الماء، إذا لم يكن على يده نجاسة. اهـ.
وقال النووي: مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها. سواء قام من نوم الليل أو النهار، أو شك في نجاستها من غير نوم، وهذا مذهب جمهور العلماء. ثم قال: هذا كله إذا شك في نجاسة اليد، أما إذا تيقن طهارتها [كمن لف عليها خرقة أو لبس قفازا، أو أحاط أماكن الرطوبة من جسمه بما يحفظها] فقد قال جماعة من أصحابنا: أنه لا كراهة فيه، بل هو في خيار بين الغمس أولا والغسل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم، ونبه على العلة، وهي الشك، فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة، ولو كان النهي عاما لقال: إذا أراد أحدكم استعمال الماء فلا يغمس يده حتى يغسلها، وكان أعم وأحسن. اهـ.
ونحن لا نوافق الإمام النووي في قوله "هو في خيار بين الغمس أولا والغسل" لأن ظاهر هذا القول أنهما متساويان، والحق أنه ليس كذلك، بل الغسل قبل الغمس مستحب أو هو الأولى مهما تحقق من طهارة اليد، ومهما رفعت كراهة الغمس، لأن اليد لا تسلم من حك الجسد، ومس مواطن العرق وفتل الشارب، ولمس ما يخرج من الأنف، ومس أشياء غير نظيفة، إلى غير ذلك مما يجعل الغمس والغسل غير متساويين.
كما لا نوافق الإمام مالك في عدم التفرقة بين الشاك وبين متيقن الطهارة وكراهة الغمس لكل منهما، وحمل الأمر على التعبد.