خلق الله جل شأنه جميع ما خلق لحكمة، وخلق في بيئة الإنسان مخلوقات يحتاجها ويفهم حكمة خلقها وفائدتها بالنسبة له، كالأنعام التي خلقها {لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون* ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم}[النحل: ٥ - ٧] وخلق مخلوقات لا يكاد يحتاجها، بل هي خطر وضرر عليه، ولا يدرك حكمة خلقها، من ذلك الخمس الفواسق التي يباح قتلها حتى في الحرم: الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور.
وخلق مخلوقات تجمع بين الشر والخير، فيها إثم وفيها منافع، من ذلك الكلب فإنه نجس اللعاب والبدن نجاسة مغلظة، إذا ولغ في الإناء وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب، ووجب إراقة السائل الذي شرب منه مهما غلا ثمنه، ومهما عز الحصول عليه. حاجب حلول رحمة الله تعالى، إذ لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب. منقص لأجر صاحبه على عمل الخير فمن اقتنى كلبا لغير حاجة نقص من عمله قيراطان، ومع هذه المضار هو حارس أمين، ووفي مخلص وحساس إلى حد كبير، يحتاجه صاحب الغنم لحراسة غنمه، وصاحب الزرع لحماية زرعه، ومحترف الصيد لاقتناص صيده، ومن منطلق شروره أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتل الكلاب، فتقربوا إلى الله بقتلها، حتى إن المرأة كانت تأتي من البادية إلى المدينة معها كلبها، فيبادر الصحابة بقتله، وشق الأمر على الناس، وشكا أصحاب الحاجة، وتمنوا أن لو أذن الله لهم في اقتناء بعض الكلاب، وسيحافظون على أنفسهم من نجاستها، وسينفذون أمر الشارع بغسل ما يصيبهم منها، وأحس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم برغبة منهم جامحة، وولع شديد لتربية الكلاب، فلامهم على التململ من حكم الشريعة، رغم سمعهم لها وطاعتهم إياها. فقال: ما شأنكم وشأن الكلاب، وما هذا الحرص الشديد على اقتنائها؟ قالوا: يا رسول الله، غلبنا الصيد، وعدا الذئب على الغنم، وأفسدت السائبة الزرع وانتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فرخص لهم في كلب الصيد وكلب الزرع وكلب الغنم، على أن يغسلوا ما أصابهم منه سبع مرات إحداهن بالتراب.
-[المباحث العربية]-
(إذا ولغ الكلب) يقال: ولغ يلغ بفتح اللام فيهما إذا شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه. وقال ثعلب: هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه؛ زاد ابن درستويه "شرب أو لم يشرب" وقال ابن مكي: فإن كان غير مائع يقال: لعقه. وقال المطرزي: فإن كان فارغا يقال: "لحسه".
وأل في "الكلب" للنجس، فيصدق على كل نوع من أنواع الكلاب.