للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على تنجيس ما ولغ فيه، لأن إراقته إضاعة له فلو كان طاهرا لم يأمرنا بإراقته، بل قد نهينا عن إضاعة المال.

قالوا: ولا فرق بين ولوغه وغير الولوغ من أجزائه، فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئا طاهرا في حال رطوبة أحدهما، وجب غسله سبع مرات، لأنه إذا ثبت هذا الحكم لفمه -وهو أشرف أعضائه- ثبت لباقي أعضائه من باب أولى. قالوا: ولو ولغ كلبان، أو كلب واحد مرات في إناء، فالصحيح أنه يكفي الجميع سبع مرات، ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذي ولغ فيه الكلب كفى عن الجميع سبع مرات. قالوا: ولو ولغ في طعام مائع حرم أكله، لأننا أمرنا بإراقته، ووجب غسل الإناء منه.

وممن قال بنجاسته أيضا أحمد وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود.

أما المالكية فقد اختلفت أقوالهم في نجاسة الكلب وسؤره اختلافا كثيرا. قال الرهوني في حاشيته على عبد الباقي: وأما الكلب فاختلف فيه، للحديث الوارد بغسل الإناء بولوغه فيه سبع مرات، ثم قال: فتحصل أن في سؤر الكلب أربعة أقوال: أحدها: أنه طاهر، وهو قول ابن وهب وأشهب، لأن الكلب سبع من السباع، وهي طاهرة، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، لكن روايته عن مالك فيها: أن الكلب ليس كغيره من السباع. الثاني: أنه نجس ليس كسائر السباع، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه، وهو قول سحنون في رواية ابن العربي. الثالث: الفرق بين الكلب المأذون في اتخاذه وغيره. وهو أظهر الأقوال، لأن علة الطهارة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة، موجودة في الكلب المأذون في اتخاذه. وهو قول سحنون في رواية اللخمي. الرابع: الفرق بين البدوي والحضري، وهو قول ابن الماجشون في رواية أبي زيد عنه. اهـ.

ونعرض إلى ما استند إليه من قال بطهارته. فقد احتجوا بقوله تعالى {فكلوا مما أمسكن عليكم} [المائدة: ٤] وبقوله صلى الله عليه وسلم في كلب الصيد: "ما أمسك عليك فكل" ووجه الدلالة أنه أذن في أكل ما صاده الكلب، ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه، ومن ثم قال مالك: كيف يؤكل صيده ويكون لعابه نجسا؟ وأجيب بأن قصد الآية والحديث الإفادة بأن قتل الكلب ذكاة، وليس فيهما إثبات نجاسة ولا نفيها. ويدل لذلك أنه لم يقل: اغسل الدم إذا خرج من جرح نابه، لكنه وكله إلى ما تقرر من وجوب غسل الدم، فلعله وكله أيضا إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه، فإباحة الأكل مما أمسكن لا تنافي وجوب تطهير ما تنجس من الصيد، ولو سلم فغايته الترخيص في الصيد بخصوصه للحاجة.

واستدلوا بما ثبت عند البخاري من حديث ابن عمر "كانت الكلاب تقبل وتدبر زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك" وأخرجه الترمذي بزيادة "وتبول" ورد بأن البول مجمع على نجاسته فلا يصح حديث بول الكلاب في المسجد حجة يعارض بها الإجماع. وأما الإقبال والإدبار فلا يدلان على الطهارة لاحتمال عدم الرطوبة في أجسامها أو في أرض

<<  <  ج: ص:  >  >>