للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: إنما أمر بذلك تغليظا عليهم، لأنهم كانوا مولعين بها، فقد أخرج مسلم عن جابر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها، وقال: عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين، فإنه شيطان. [لعل سر الأمر بقتل الأسود البهيم قبح منظره، والاشمئزاز منه، وتشبيهه بالشيطان للتنفير من اقتنائه] ونقل النووي عن إمام الحرمين أن الأمر بقتل الأسود البهيم كان في الابتداء. وهو الآن منسوخ. اهـ. لكن الإمام أحمد يحرم اقتناءه مهما كانت الحاجة إليه.

وقد اتفقوا على أن الكلب العقور يقتل، ويحرم اقتناؤه، وهو الكلب الذي يعقر الناس، ويعدو عليهم، ويخيفهم. فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور" وإذا جاز للمحرم قتله فغيره من باب أولى.

كما اتفقوا على أنه لا يجوز اقتناء الكلاب لغير حاجة، كأن يقتني كلبا إعجابا بصورته، أو للمفاخرة به، فهذا حرام، وشذ من قال: إنه مكروه.

كما اتفقوا على جواز اقتناء الكلب للصيد، ولحراسة الماشية، ولحراسة الزرع، للنص على الترخيص بها.

واختلف في اقتنائه لحراسة الدور والدروب، وفي اقتناء الجرو ليعلم، وفي اتخاذه لاقتفاء الأثر. والصحيح إلحاق الحاجات المشروعة بالصيد والماشية والزرع، لأن الترخيص فيها للحاجة، فيرخص لكل ما شابهها، مما يجلب منفعة أو يدفع مضرة، قياسا.

هذا عن حكم الاقتناء، أما حكم القتل فالأصح أنه يجوز قتل غير المأذون فيه، ولا يجوز قتل المأذون في تربيته، فإن قتل غرم، فقد روى الطحاوي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما، وقضى في كلب ماشية بكبش.

وقد وردت أحاديث ظاهرها منع بيع الكلب، وتحريم ثمنه، ففي البخاري عن أبي مسعود الأنصاري "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي وحلوان الكاهن" وروى أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعا "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب. وقال: إن جاء يطلب ثمنه فاملأ كفه ترابا".

وعند ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر "نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاربا، يعني مما يصيد".

فهذه الأحاديث حجة للشافعي في تحريم بيع الكلب مطلقا، معلما كان أو غير معلم مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز، ومن لازم ذلك أن لا قيمة على متلفه، والعلة في تحريم بيعه نجاسته، وهي قائمة في المعلم وغيره.

وعند الحنفية يجوز بيعه، وتجب القيمة على متلفه، لأنه منتفع به حراسة واصطيادا، وأجابوا عن أحاديث النهي عن ثمنه بأنها صدرت أيام الأمر بقتل الكلاب، وكان الانتفاع بها يومئذ محرما.

<<  <  ج: ص:  >  >>