ثم قام ذو الخويصرة: فانتحى ناحية من المسجد، والتجأ إلى زاوية من زواياه، ثم وقف يبول، ورآه الصحابة فثارت ثائرتهم، وصاحوا به. مه. مه. اكفف. اكفف. به. به. توقف. توقف. وثاروا عليه، واتجهوا نحوه يزجرونه، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالوا. تعالوا. دعوه دعوه. لا تزرموه ولا تقطعوا عليه بوله. دعوه فليكمل بوله. قالوا: يا رسول الله. إنها لكبيرة. قال: إنما هو جاهل بالحكم، إنه لا يقصد إساءة المسجد، إنه لا يعرف النجاسة، إنه يظن المكان الذي هو فيه كبقية أماكن الصحراء إن هو بعد عن الناس تبول كيف شاء. وقد بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين، يسروا ولا تعسروا، وتحملوا أخف الضررين، تنجس المكان وانتهى الأمر، وقطع بوله سيحدث به تضررا، وسيلوث بدنه وثوبه وأماكن أخرى من المسجد، قالوا: فما العمل يا رسول الله؟ قال ائتوني بدلو كبير مملوء ماء، فجاءوا به فقال: صبوه على مكان بوله شيئا فشيئا، تطهر الأرض. ففعلوا. ثم دعا الرجل، وبمنتهى الرفق واللين قال له: إن هذه المساجد لا يليق بها البول والقذر، وقد خصصت لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن: قال: أحسنت يا رسول الله. وجزاك الله خيرا بأبي أنت وأمي. لن أعود لمثلها.
-[المباحث العربية]-
(أن أعرابيا بال في المسجد) الأعرابي واحد الأعراب، وهم من سكن البادية، عربا كانوا أو عجما، فالأعرابي مقابل الحضري، والعربي مقابل العجمي، قيل: إن الأعرابي المذكور هو ذو الخويصرة اليماني، وقيل: إنه الأقرع بن حابس، ولعل في عدم ذكر اسمه تسترا عليه، وفي وصفه بالأعرابي اعتذارا عن فعله، و"أل" في "المسجد" للعهد، والمراد المسجد النبوي، وفي الكلام مضاف محذوف، أي بال في ناحية المسجد وزاوية من زواياه، ففي الرواية الثانية "فقام إلى ناحية في المسجد" وفي رواية للبخاري "فبال في طائفة المسجد".
(فقام إليه بعض القوم) في هذه الرواية حذف، أي فقام إليه بعض القوم يلومونه ففي الرواية الثانية "فصاح به الناس" وفي الثالثة "فقالوا: مه. مه" وفي رواية للبخاري "فتناوله الناس" أي بالزجر واللوم. وفي أخرى للبخاري "فزجره الناس" وللبخاري في الأدب "فثار إليه الناس" أي بألسنتهم، لا بأيديهم.
(دعوه ولا تزرموه) بضم التاء وسكون الزاي وكسر الراء، أي لا تقطعوا عليه بوله، يقال: أزرم الدم والدمع إذا انقطعا، وأزرمته أي قطعته.
(دعا بدلو من ماء)"الدلو" يذكر ويؤنث، واستعمل مذكرا وفي رواية لابن ماجه "بسجل من ماء" و"السجل" بفتح السين وسكون الجيم الدلو العظيمة.
(فصب عليه) الصب السكب، وفاعل الصب يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن لا باعتباره باشر الصب، بل باعتباره الآمر به، وضمير "عليه" يعود على البول على أرض المسجد، المفهوم من المقام،