كانت صعودا، يحفر في أسفلها حفيرة، ويصب الماء عليها ثلاث مرات، ويتسفل إلى الحفيرة، ثم تكبس الحفيرة.
وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا يغسل لعدم الفائدة في الغسل، بل تحفر، وعن أبي حنيفة لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب.
ودليلهم على الحفر ما أخرجه الدارقطني عن أنس ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "احفروا مكانه، ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء" وما أخرجه أبو داود عن عبد الله بن معقل بن مقرن "خذوا ما بال عليه من التراب، فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء" وما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن طاوس قال: بال أعرابي في المسجد فأرادوا أن يضربوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "احفروا مكانه، واطرحوا عليه دلوا من ماء، علموا، ويسروا ولا تعسروا".
قالوا: والقياس أيضا يقتضي هذا الحكم، لأن الغسالة نجسة، فلا تطهر الأرض ما لم تحفر، وينقل التراب. قال العيني: فإن قلت: قد تركتم الحديث الصحيح، واستدللتم بالحديث الضعيف، قلت: قد عملنا بالصحيح فيما إذا كانت الأرض صلبة، وعملنا بالضعيف -على زعمكم لا على زعمنا- فيما إذا كانت الأرض رخوة، والعمل بالكل أولى من العمل بالبعض وإهمال البعض. اهـ.
والظاهر أن العيني اشتبه عليه الأمر، فعكس القول، حيث إنه في الأول قرر أن الحفر في الأرض الصلبة، والصب في الأرض الرخوة، ومقتضاه أنهم عملوا بالصحيح "صب الماء" في الأرض الرخوة وعملوا بالضعيف "الحفر" في الأرض الصلبة. عكس ما يقول.
وعلى كل فهي مغالطة مكشوفة، لأن الواقعة واحدة، والأرض التي بال عليها الأعرابي واحدة، [صلبة أو رخوة] فمن أين جاءوا بالحالة الثانية؟ فالحكم إما صب وإما حفر، إن قالوا: إن أرض المسجد كانت صلبة فقد عطلوا الحديث الصحيح، وإن قالوا: إنها كانت رخوة فقد عطلوا الأحاديث التي استدلوا بها فهم على أي حال لم يعملوا بالحديثين معا. ثم إنه لماذا الأمر بصب الماء حيث أمر بإزالة ما بال عليه من التراب في الأحاديث التي استدلوا بها؟ ثم إن قولهم في القياس: لأن الغسالة نجسة غير مسلم، فإن الغسالة لا تعد نجسة إلا إذا انفصلت متغيرة.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة، ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه.
٢ - وأنه كان مقررا عندهم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
٣ - وفيه إثبات نجاسة بول الآدمي، وهو مجمع عليه، ولا فرق بين الكبير والصغير بإجماع من يعتد به، لكن بول الصغير يكفي فيه النضح، قاله النووي.
٤ - وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها وهو مذهب الجمهور.