للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن الأصل في العلة، وليس في غير الماء ما في الماء من رقته وسرعة نفوذه فلا يلحق به. قاله الحافظ ابن حجر.

ومن الإنصاف القول بأن بعض المائعات كالخل والبنزين لا تنقص عن الماء في إزالة آثار النجاسة، بل تزيد عليه، وحيث كان القصد الإنقاء وإزالة عين النجاسة -طعمها وريحها ولونها- وسال المائع وعصر، فإنه يلحق بالماء. نعم الماء أصل في التطهير، لوصفه بذلك في قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} [الفرقان: ٤٨] وقوله صلى الله عليه وسلم: "الماء طهور" فهو يطهر كل فرد من أفراد النجاسة المنصوص على تطهيرها، وقد يتعين غيره مطهرا، كالدباغ في جلود الميتة مثلا، لكن كونه أصلا لا يمنع قيام غيره مقامه إذا أدى مؤداه، ومن الإنصاف أيضا القول بأن بعض المائعات إن أدى مؤدي الماء في إزالة النجاسة فإنه لا يؤدي مؤداه في رفع الحدث، خلافا لما ذهب إليه ابن أبي ليلى، حيث جوز رفع الحدث وإزالة النجس بكل مائع طاهر، وخلافا لما روي عن أبي حنيفة من أنه جوز الوضوء بالنبيذ، وهو مردود بقوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [النساء: ٤٣].

بقي أن يقال: إذا لم يمكن إزالة جرم النجاسة بالماء وحده وجب إضافة ما يزيل جرمها، [كالصابون والبوتاس] ووجب الحت والقرض، فقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان من حديث أم قيس بنت محصن أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيضة يصيب الثوب، فقال "حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر" قال ابن الأعرابي: الضلع هنا العود.

٥ - ويستفاد من الحديث أنه لا فرق بين قليل الدم وكثيره في وجوب تطهيره، لقوله صلى الله عليه وسلم. "تحته، ثم تقرصه بالماء" حيث لم يفرق بين قليله وكثيره، ولم يسألها عن مقداره، وهو مذهب الشافعية، ويؤيدهم قوله تعالى: {وثيابك فطهر} [المدثر: ٤] ولم يرخصوا إلا في دم البراغيث لعدم التمكن من التحرز عنه.

أما المالكية والحنفية فقد حملوا الحديث على الدم الكثير. قال مالك: قليل الدم معفو عنه، ويغسل قليل سائر النجاسات. وحدد الحنفية القليل بما دون الدرهم، واستندوا إلى ما روي عن علي وابن مسعود أنهما قدرا النجاسة بالدرهم.

قال العيني: وكفى بهما في حجة الاقتداء.

وقدر العيني الدرهم بمثل عرض الكف، ونقل ذلك عن المحيط، وأيد هذا التقدير بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قدره بظفره. قال: وفي المحيط: وكان ظفره قريبا من كفنا. اهـ. وليس من السهل علينا أن نتصور أن ظفر عمر كان قدر كف طفل، فضلا عن كونه قدر كفنا.

ومما استدل به ما روي عن أبي هريرة من أنه كان لا يرى بالقطرة والقطرتين بأسا في الصلاة، وما روي عن ابن عمر أنه عصر بثرة، فخرج منها دم، فمسحه بيده وصلى. ورغم أن هذه الآثار

<<  <  ج: ص:  >  >>