وقال ابن الجوزي: الحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين، فإنها تقرب من ذلك، والمراد من الملائكة ملائكة الرحمة والبركة، لا الحفظة التي لا تفارق.
وقال المازري: ليبت على إحدى الطهارتين، خشية أن يموت في منامه [وهذا التعليل خاص بالوضوء قبل النوم] وعلى هذا يقوم التيمم مقامه، وقيل: لعله أن ينشط إلى الغسل لأنه إذا نال الماء أعضاءه تشجع على استيعاب بقية بدنه وزال عنه كسله.
وفوق كل ما قيل نرى أن الوضوء نظافة يدعو إليها الإسلام، ويزهو بها على جميع الأديان. ولا يستبيح بهذا الوضوء محرما على الحدث الأصغر أو الأكبر، فلا يمس القرآن ولا يمكث في المسجد، وهذا الوضوء للنظافة والتعبد فلا ينقضه ما ينقض الوضوء. والله أعلم.
واختلف في موجب الغسل في الجنابة. هل هو حصول الجنابة؟ أو هو القيام إلى الصلاة؟ أو هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة؟ ثلاثة أوجه، ومن قال: يجب بالجنابة قال: وهو وجوب موسع.
وهذا الخلاف جار في موجب الوضوء. هل هو الحدث؟ أو القيام إلى الصلاة؟ أو المجموع؟
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - استحباب غسل الوجه واليدين إذا قام من النوم. قال النووي: والحكمة من غسل الوجه إذهاب النعاس وآثار النوم، وأما غسل اليدين فللاحتياط.
٢ - ويستفاد من الرواية الأولى أيضا أن النوم بعد الاستيقاظ في الليل ليس بمكروه قال النووي: وقد جاء عن بعض السلف كراهة ذلك، ولعلهم أرادوا من لم يأمن استغراق النوم، بحيث يفوته وظيفته، ولا يكون مخالفا لما فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يأمن فوات أوراده ووظيفته.
٣ - أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة. قال النووي: وهذا بإجماع المسلمين.
٤ - وأن بدن الجنب وعرقه طاهران.
٥ - وجواز استقرار الجنب في البيت يقظان، لحصول اليقظة بين وضوئه ونومه، قال الحافظ ابن حجر: ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير.
٦ - ويؤخذ من طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد أن الجنب يجوز له أن يخرج وأن يمشي في السوق وغيره، وذلك لأن نساءه كانت لهن حجر منفصلة وبالضرورة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الطواف عليهن يحتاج إلى المشي من حجرة إلى حجرة.
٧ - واستدل به البخاري على استحباب الاستكثار من النساء، وأشار إلى أن القسم لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم، وهو قول طوائف من أهل العلم، والمشهور الوجوب، ويحتاج من قال به إلى الجواب عن هذا الحديث إما بأن ذلك كان برضا صاحبة النوبة، كما استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة وإما بأن ذلك كان يحصل عند استيفاء القسمة، ثم يستأنف القسمة، وإما بأن ذلك كان قبل وجوب القسمة، ثم ترك بعدها.