(تربت يمينك) قال النووي: فيه خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف من الطوائف كلها، والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناه أنها كلمة أصلها افتقرت [قال: ترب بكسر الراء، أي لصق بالتراب، ويكنى به عن الفقر قال تعالى:{أو مسكينا ذا متربة}[البلد: ١٦]، قال الهروي: ويقال: أترب الرجل إذا استغنى كأن ماله صار بعده التراب] ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي، فيذكرون: تربت يداك وقاتلك الله ما أشجعك، ولا أم لك ولا أب لك، وثكلتك أمك، وما أشبه هذا من ألفاظهم، يقولونها عند إنكار الشيء، أو الزجر عنه، أو الذم عليه، أو استعظامه، أو الحث عليه، أو الإعجاب به. اهـ. والأنسب هنا الإنكار والزجر.
(فقال لعائشة: بل أنت)"بل" للإضراب الإبطالي، فهو صلى الله عليه وسلم يبطل قول عائشة لأم سليم: تربت يمينك. ثم يقول لها ما أبطله عن أم سليم. و "أنت" مبتدأ محذوف الخبر، أي أنت أحق أن يقال لك ذلك، فإنها فعلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها، فلا تستحق الإنكار، وتستحقين أنت الإنكار لإنكارك ما لا إنكار فيه.
(فتربت يمينك) الفاء فصيحة، في جواب شرط، تقديره: إذا لم تستحق هي الإنكار، وكنت أنت أحق به فتربت يمينك.
(نعم) جواب السؤال المطوي في هذه الرواية، ويصرح به في الرواية الرابعة، بلفظ "فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ " وفي الرواية السادسة بلفظ "هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء"؟
(فلتغتسل -يا أم سليم- إذا رأت ذاك)"ذا" اسم إشارة، والكاف حرف خطاب للمؤنثة، فيكسر، والمشار إليه المني. وفي الرواية الثانية "إذا رأت ذلك" واللام للبعد.
(فقالت أم سليم: واستحييت من ذلك. قالت: وهل يكون هذا؟ ) ظاهر هذا الأسلوب أن أم سليم هي التي قالت: وهل يكون هذا؟ وهو مستبعد ولعل الأصل: قالت عائشة، كما تشير الرواية الخامسة، أو قالت: أم سلمة كما تصرح الرواية الرابعة، وسيأتي مزيد إيضاح لهذا في فقه الحديث، والاستفهام للإنكار أو للتعجب.
(نعم فمن أين يكون الشبه) أي مشابهة الولد أمه، ورواية البخاري "فيم يشبهها ولدها"؟ كالرواية الرابعة، وفي الرواية السادسة "وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك" والاستفهام في هذه الرواية للإنكار بمعنى النفي، أي لا يكون الشبه إلا من جهة مائها. والشبه بفتح الشين والباء، وبكسر الشين وسكون الباء بمعنى المشابهة، وهي الاشتراك ولو في بعض الصفات.
(فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه) قال النووي: يجوز أن يكون المراد بالعلو هنا السبق، ويجوز أن يكون المراد الكثرة والقوة بحسب كثرة الشهوة. اهـ. والأولى أن يراد بالعلو والسبق الغلبة، أي: فمن الذي تتغلب صفاته وخواصه على صفات وخواص الآخر يكون شبه الولد.