للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرواية الثالثة "ثم غسل سائر جسده" يدل على أن المطلوب وضوء حقيقي مستقل عن إفاضة الماء على سائر الجسد، لتحصل فضيلة الوضوء.

قال النووي: والوضوء سنة، فلو أفاض الماء على جميع بدنه من غير وضوء صح غسله، واستباح به الصلاة وغيرها، ولكن الأفضل أن يتوضأ وتحصل الفضيلة بالوضوء قبل الغسل، أو بعده، وإذا توضأ أولا [قبل الغسل] لا يأتي به ثانيا [بعد الغسل] فقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب وضوءان. اهـ.

وقد استشكل على الرواية الأولى والثالثة إذا تفيدان البدء بوضوء الصلاة ثم الغسل ثم غسل الرجلين؛ مما يترتب عليه أن الوضوء الأول غير كامل، أو أن الرجلين تغسلان مرتين.

ففي الرواية الأولى "فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه".

وفي الرواية الثالثة "ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه".

وأجيب عن هذا الإشكال باحتمال أن المراد بوضوء الصلاة أكثره، على سبيل المجاز من إطلاق الأكثر، وإرادة الكل، ويؤيده رواية ميمونة عند البخاري، ونصها "توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه، ثم أفاض عليه الماء، ثم نحى رجليه، فغسلهما".

قال الحافظ ابن حجر: وليس في شيء من الروايات عن عائشة وميمونة التصريح بإكمال الوضوء أو الغسل، بل الروايات إما محتملة، كرواية "توضأ وضوءه للصلاة" أو ظاهرة في تأخير الرجلين، كرواية "توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه" فتحمل المحتملة على الصريحة. انتهى بتصرف.

وأجاب بعضهم عن الإشكال باختلاف فعله صلى الله عليه وسلم لاختلاف الحالتين فكان يتم وضوءه قبل الغسل، ويعيد غسل رجليه حينما يكون المغتسل غير نظيف.

وأجاب النووي بجواب ثالث: حاصله أنه صلى الله عليه وسلم كان يكمل الوضوء ويعيد غسل الرجلين بعد الفراغ، لزيادة النظافة لا لأجل الجنابة، فكان صلى الله عليه وسلم يواظب على ذلك، لأنه الأكمل والأفضل، وحمل النووي رواية ميمونة في البخاري "توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه" على أنه فعل ذلك مرة لبيان الجواز. قال: وهذا كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، ومرة مرة، فكان الثلاث في معظم الأوقات، لكونه الأفضل، والمرة في نادر من الأوقات لبيان الجواز. اهـ.

وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن في رواية أحمد ما يدل على المواظبة، ولفظه "كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ... " الحديث.

ونتيجة لهذا الإشكال وأجوبته اختلف العلماء، فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل

<<  <  ج: ص:  >  >>