للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويمثل الفريق الثاني الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، جاء إلى جابر بن عبد الله في جماعة من أصحابه، يسألون عن المرات المستحبة في الغسل، فقال جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من جنابة صب على رأسه ثلاث حفنات من ماء، فقال له الحسن: إن لي شعرا كثيرا، لا يكفيني ثلاث حفنات، أفلا أزيد على الثلاث؟ وفهم جابر أن الحسن يتشدد في الدين باسم الورع، وخشي عليه وعلى السامعين من التحول عن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كلما ظنوا خيرا في فعلهم، فألزمه وألزمهم بالاقتداء وقال: يا ابن أخي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر منك شعرا وهو أتقى الأمة وأخشاها لله، وأعلمها بقدره وشرعه، واكتفى بثلاث حفنات، وقبل الحسن القول وسمع وأطاع، كما سمع وفد ثقيف وأطاع فنعم التوسط والاعتدال، وبئس الإفراض والتفريط.

-[المباحث العربية]-

(تماروا في الغسل) أي تنازعوا فيه، فقال أحدهم: صفته كذا وكذا، وقال آخرون: صفته كذا وكذا. وفي رواية أبي داود "ذكروا الغسل من الجنابة" وهي قريبة من رواية الباب الثالثة.

وفي رواية أحمد: "تذاكرنا الغسل" فهذه الروايات تدل على أن المماراة في روايتنا ليست من المنازعة والمجادلة والمخاصمة، وإنما هي أخذ أطراف النقاش الهادئ ومدارسة العلم.

ويفهم من كلام الحافظ ابن حجر أن المتمارين هم وفد ثقيف المذكور في الرواية الثالثة.

وفي الكلام مضاف محذوف، أي تماروا في صفة الغسل وعدد مراته ومقدار مائه.

(أما أنا فإني أغسل رأسي كذا وكذا) "أما" حرف شرط وتفصيل وتأكيد والدليل على الشرط لزوم الفاء بعدها، ودليل كونها للتفصيل حاجتها إلى القسم، فإن لم يكن لها قسم أفادت التأكيد. قال الزمخشري: فائدة "أما" في الكلام أن تعطيه فضل توكيد تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت ذلك، وأنه لا محالة ذاهب، وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة، قلت: أما زيد فذاهب. اهـ. وهي هنا للتفصيل، لأن المقابل مذكور -قول بعض القوم، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم- أما في رواية البخاري، ونصها عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا وأشار بيديه كلتيهما" فيمكن أن تكون للتأكيد وأن تكون للتفصيل بمراعاة حذف المقابل المذكور في رواية مسلم، وفي بعض نسخ مسلم "أما أنا فإني أغسل رأسي بكذا وكذا".

و"كذا وكذا" كناية عن عدد وكيفية غسل رأسه، وبما أن القائل من وفد ثقيف. وهم يشكون البرد، فالظاهر أن هذا القائل كان يقصد قلة العدد عما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم أي أغسل رأسي مرة أو مرتين بدلك أو بدون دلك لكن الحافظ ابن حجر يقول: ودل قوله "ثلاثا" على أن المراد بكذا وكذا أكثر من ذلك. اهـ.

(أما أنا فإني أفيض على رأسي ثلاث أكف) "أفيض" بضم الهمزة من

<<  <  ج: ص:  >  >>