وحفاظ الحديث خصوصًا جامع الترمذي قائمًا عليه رواه عن شيوخه عن أبي ذر، يلازم كتاب الأحياء وترد عليه الفتاوى في مذهب مالك فيجيب عنها في وقتها، له مجلس وعظ يتكلم فيه على الناس، وتمر به الطيور وهو يتكلم فتقف تسمع، وربما مات بعضها وكثيرًا ما يموت بمجلسه أهل الحب، تخرّج به جماعة من العلماء والمحدثين وأرباب الأحوال، كان شيخه أبو يعزى يثني عليه ويعظمه بين أصحابه.
ولما قدم من الأندلس قرأ على الحافظين أبي الحسن بن حرزهم والفقيه العلامة ابن غالب، وذكر عنه أنه قال: كنت في ابتدائي إذا سمعت تفسير آية أو حديث قنعت به وانصرفت لموضع خارج فاس أتخذه للعمل بما فتح اللَّه عليّ به، فإذا خلوت تأتيني غزالة تؤنسني وأمرّ في طريقي بالكلاب فيبصبصوا لي ويدوروا حولي، فبينا أنا يومًا بفاس إذا رجل أندلسيّ من معارفي سلّم عليّ فقلت وجبت ضيافته فبعث ثوبًا بعشرة درهم فطلبته لأدفعها له فلم أجده هنالك فحملتها معي وخرجت لخلوتي، على عادتي، فتعرض لي الكلاب فمنعوني الجواز حتى جاء رجل حال بيني وبينهم، ولما وصلت قريتي جاءتني الغزالة، على عادتها، فشمتني ونفرت عني وأنكرت عليّ، فقلت ما أوتي عليّ ألد من هذه الدراهم التي معي فرميتها عني فسكنت الغزالة وعادت لحالها معي، ولما رجعت لفاس رفعتها معي ولقيت الأندلسيّ فدفعتها له ثم خرجت للخلوة فدار بي الكلاب فبصبصوا على عادتهم، وجاءت الغزالة فشمتني وأتت كعادتها وبقيت كذلك مدة، وأخبار أبي يعزى ترد عليّ وكراماته يتداولها الناس فملأ قلبي حبه فقصدته مع الفقراء فلمّا وصلنا إليه أقبل عليهم دوني وإذا حضر الطعام منعني من الأكل معهم، فبقيت ثلاثة أيام فأجهدني الجوع وتحيرت من خواطر ترد عليّ وقلت في نفسي إذا قام الشيخ من موضعه مرغت فيه وجهي فلما قام مرغته فإذا أنا لا أبصر شيئًا فبكيت ليلتي فلما أصبح دعاني وقربني فقلت: يا سيدي قد عميت فمسح بيده على عيني فبصرت ثم على صدري فزالت عني تلك الخواطر وفقدت ألم الجوع، وشاهدت في الوقت عجائب بركاته ثم استأذنته في الانصراف للحج فأذن لي وقال لي ستلقى في