للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

خرج عن الدنيا وانقطع إلى اللَّه تعالى، وبلغ أمله في مقامات الأولياء، وجاهد ما لم يجاهده غيره، فمن مجاهداته أنه أمر ببناء باب البيت وأن لا يُحَلَّ إلا بعد ستة أشهر، ولم يُدخل معه غير الماء وحده، وسُئل بعد خروجه عن حاله. فقيل له كيف كنت في هذه المدة فقال كالميت إلا أني أجد قوة عند الصلاة. وببلد "أغمات" وقفت على قبره متبركًا به، مترحمًا عليه- اهـ.

قلت: وله كرامات كثيرة أفردها مع كرامات أخيه أبي زيد الشيخ أبو عبد اللَّه بن تجلات الأغماتي بتأليف سماه "اثمد العينين في مناقب الأخوين" ذكر منها كثيرًا، وقفت عليه بمراكش، وذكر أنه توفي عصر يوم السبت آخر يوم من شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة، عن نيف ستين سنة، ودفن بعد العصر يوم الأحد- اهـ. وقد زرت قبره بأغمات مرارًا وتوسلت عنده، وللَّه الحمد (١).

٥٠٤ - محمد بن إبراهيم بن أحمد بن حسن الطائي الأندلسي أبو عبد اللَّه، ويعرف بابن مشعور (٢).

قال ابن الزبير: كان مقرئًا متقنًا محكمًا للقرآن حافظًا ضابطًا، آخر أهل الشأن بغرناطة والأندلس اتقانًا وضبطًا وتجويدًا وورعًا، لازمته سنين كثيرة فما سمعته يتكلم بغيبة أحد، ولا منتصرًا بل مشتغلًا بنفسه مقبلًا على ما يعنيه، ما استُعمل قطُّ لأبناء الدنيا ولا وقف على باب أحد بوجه، عُرضت عليه نيابة الجامع الكبير من غرناطة فامتنع جملة استصغارًا لنفسه، مع أنه أهل لما فوق ذلك، وافر الحظ من العربية أقرأها عمره، أخذ عن الأستاذ المحدث الطراز والأستاذ المقري الجليل أبي محمد الكواب، أخذ عنه السبعية وغيرها ولازمه. توفي آخر يوم من ربيع الأول سنة سبعين وستمائة.


(١) هكذا كانت بعض تراجم شخصيات "النيل" موغلة في عالم التصوف ولا يتردد المؤلف في قبول مثل هذه الأخبار لأنها جزءٌ من اتجاهه الفكري، ولا يسمح المجال هنا بمناقشة هذه القضايا ولا يؤثر وجودها في قيمة الكتاب التاريخية.
(٢) ترجمته في غاية النهاية في طبقات القراء ٢: ٤٣، وفيه: يعرف بمشعور.

<<  <   >  >>