وستمائة عن ثلاث وستين سنة، واحتفل الناس بجنازته احتفالًا عظيمًا حضرها الأمراء وغيرهم وقسموا نعشه، ثم أنصف اللَّه من سعى به فماتوا على أسوأ حال بقتل وصلب، سنة اللَّه في عباده.
٦ - إبراهيم بن يخلف بن عبد السلام التنسي المطماطي (١).
انتهت إليه رياسة التدريس والفتوى في أقطار المغرب كلها، ترد عليه أسئلة من تلمسان وبلاد افريقيا كلها، شرح التلقن لعبد الوهاب في عشرة أسفار فضاع الشرح في حصار تلمسان، وما زال السلطان يغمر اسن يخطبه للورود على تلمسان فيمتنع بل يرد زائرًا ويقيم أشهرًا وينصرف إلى تنس. ثم لما كان شأن مغراوة رحل لتلمسان فطلب منه الفقهاء والسلطان القيام بها، فأجابهم فاستوطنها ودرّس بها وانتفع به خلق لا يحصون، وإليه الرحلة شرقًا وغربًا، وكان من أولياء اللَّه الجامعين بين علمي الباطن والظاهر، ومن تلاميذه الشيخ أبو عبد اللَّه بن الحاج صاحب المدخل وله كرامات كثيرة منها: ما حدَّث به ابن القطان عنه أنه قال: لما دخلت إلى مكة وطفت بالبيت ذكرت قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}(سورة آل عمران، الآية ٩٧) فقلت في نفسي تعارضت الأقوال واختلفوا في معنى الأمن، فصرت أكرر وأقول: آمنًا آمنًا من ماذا؟ فسمعت صوتًا خلف ظهري آمنًا من النار يا إبراهيم ثلاث مرات أو مرتين. قال ابن الحاج: ورحم اللَّه شيخنا أبا إسحاق التنسي من ورعه أنَّا مضينا معه في قرى مصر فأصابنا عطش شديد فأدركنا بعض تلاميذه بلبن مشوب بسكر فامتنع من شربه فقلت له: كيف يا سيدي تتركه وأنت في غاية الحاجة إليه؟ فقال: خفت أن يكون فعله جزاء القراءة عليّ فتركته لذلك خوفًا أن ينقص من أجري، وردّ له الإناء- اهـ.
لقي في رحلته أعلامًا بمصر والشام وروى عن ابن كحيلي وناصر الدين المشذالي، وقرأ بتونس على جماعة وبالقاهرة (المحصول) على الشمس
(١) انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية ٢١٨، البستان لابن مريم ٦٦، أزهار الرياض ٢: ٣٢٢، الرحلة المغربية للعبدري ١٣، والمسند الحسن أ ١٢١ ب ١٢١.