السباق واكتسب بخطه الأصول العتاق، صحح متونه وحدق للصواب عيونه، وتبدو لها بشر ونشر كأنما تبلج وجه الصبح أو نفح العطر، سمعت فوائد من لفظه وقيدت شوارد من حفظه، قرأت عليه بعض مختصر الجلال للعز النيلي المختصر الأكبر وأذن لي في روايته عنه قائلًا: تفقهت فيه على مؤلفه ببغداد وأذن لي في تدريسه وأجازه عامة -اهـ- ملخصًا.
٣٦٥ - عيسى بن محمد بن عبد اللَّه بن الإمام (١).
أبو موسى أحد الأخوين المعروفين بأبناء الإمام التلمساني، تقدم كثير من حاله في ترجمة أخيه أبي زيد، قال القاضي أبو عبد اللَّه المقري: سألت أبا موسى بن الإمام آخر فقهاء تلمسان عما يكتب الموثقون في الصحة والطلوع والجواز على ظاهر الأمر الذي لا تفيد ما بنيت عليه الشهادة من اليقين لانكشاف الأمر كثيرًا بخلافه، فقال لي: ذلك غاية ما يمكن الوصول إليه غالبًا من ذلك، فلو كلف بغيره شق عليه وأوشك أن لا يصل إليه وتعطل بسببه حقوق كثيرة، قلت له: فهلا كتبوا ظاهر الصحة والجواز والطلوع فتبرؤا من عهدة ما وراء ذلك فقال لي: أيقام في الشهادة ومبناها على العلم، فإذا تعذر أو تعسر وجب كتبها على ما لا ينافي أصلها حفظًا لرونقها، واعتمد في ظاهر أمرها على ما جرت به العادة أن المعتبر في مثلها ظاهر الحال لتعذر غيره أو تعسره- اهـ.
سئل صاحب الترجمة عن ابن القاسم هل هو مجتهد في مذهب مالك [أو] مقلد له؟ فأجاب بأنه مجتهد في المذهب فقط لا مطلقًا، وأما اجتهاده في بعض المسائل فإما على جواز تجزئ الاجتهاد هو اختيارنا، كما أن المجتهد المطلق قد يقلد في بعضها لأمر ما، فلا ينافي عروض اجتهاده في بعضها كونه مقلدًا، كما أن المجتهد المطلق عروض التقليد لا يخرجه عن اجتهاده، والدليل على كونه مقلدًا لمالك أقواله وأقوال الأئمة، وبيانه أن المجتهد إنما يتبع الدليل من حيث هو، والمقلد يقلد شخصًا، واتباع ابن القاسم لقول مالك والتزامه
(١) انظر الأعلام ٥: ١٠٨، تعريف الخلف ١: ٢٠١ - ٢١٣. وقد انفردت هذه النسخة باضافات على جميع النسخ المذكورة في ص ٦ بما في ذلك نسخة نيل الابتهاج.