مذهبه واضح لا يفتقر لبيان لمن له أدنى اطلاع، وذلك أن المجتهد إنما يجيب على المسائل باجتهاده في الأدلة، وابن القاسم إنما يجيب حيث سئل بقوله قال مالك: كذا كما في الأسمعة والروايات، وهذا عين التقليد ليس في شيء من الاجتهاد.
فإن قلت لعله إنما أجاب به قبل نظره لعجزه. قلت: لا يجوز تقليد قبل النظر على الصحيح لآية {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} ومن أمكنه الرد إليه تعالى فتركه عصي، وإنما ينظر ذلك عند العجز وأجوبته هو بقول مالك كثيرة، بل لا يضيف لنفسه إلا عند خروج مالك عن قواعده واختياره هو أحد أقوال مالك وإن لم نقف نحن عليه كما يأتي.
فإن قلت: ولعل سائله إنما سأله عن مذهب مالك فقط.
قلت: علمنا جوابه بذلك مطلقًا سواء عَينَّ له السائل ذلك أم لا، بدليل إطلاق الأسئلة عارية عن ذلك، ولئن سلم فسؤالهم إياه عن مذهب مالك على اعتقادهم فيه أنه خزانة مذهب مالك وناشر أقواله، فهذا دليل تقليده إذ المجتهد إنما ينظر في الأدلة مطلقًا، وأيضًا فسؤال المجتهد عن مذهب غيره نادر جدًا، وأيضًا فلِمَ لا يسأل عن مذهب غير مالك وما وجه الخصوصية به؟ وأيضًا فعادته في جوابه عن مسائل لا تحصى ثم يقول: لأن مالكًا قال كذا في كذا وقد قال مالك كذا فيحتج لصحة قوله بقول مالك، وأنه جار على مذهبه، وإنما جواب المجتهد بالدليل لا بقول أحد، ويقول لولا ما قاله مالك لقلت كذا، فيترك مقتضى الدليل بقول مالك، وهذا غاية التقليد.
وقد نقل صاحب الاستيعاب عن ابن وهب وأحمد بن حنبل أنهما قالا: إذا لم نجد أثرًا قلدنا قول مالك لأن قوله أثر من الآثار، ونقل عن ابن القاسم أنه قال: اخترت مالكًا لنفسي وجعلته بيني وبين النار، ولا معنى لاختياره له إلا تقليده واعتقاده مذهبه، والمجتهد إنما يجعل بينه وبين النار الأدلة لا شخصًا معينًا.