حملت إليه وأنا رضيع ولم أزل أتردد إليه في ذلك السن لكون جدتي تقرأ عليه مع أختيه فاطمة وأم هانيء وكانتا فقيهتين صالحتن، وكان قطبًا في السخاء إمامًا في نصح الأمة أمات كثيرًا من البدع بالمغرب وأقام الحدود والحقوق وتولى آخر أمره خطابة جامع القرويين، ثم توفى سنة تسع وأربعين وكان أكثر علمه فقه الحديث، سمعت شيخنا القوري يقول: إنهم حسبوا الخارج من يده والداخل فيها فوجدوا الخارج أكثر، وحدثنا أنه حفظ مختصر مسلم للقرطبي في كل خميس خمسة أحاديث، وكان أبوه يعطيه عليها درهمًا، وشهرة أخلاقه وسخائه أبين من أن تذكر، كان لا يدخر شيئًا حتى لم يوجد يوم مات إلا بدنين واحرامين ودراعتين إحداهما للأمير يحيى بن زيان فقال: هكذا يكون الفقيه وإلا فلا.
وكان يشترط العزل في النكاح، فرارًا من الولد لفساد الزمان، قالوا: وكان لا تفارق كمه الشمائل عاملًا بها، وحدثت زوجته أنه كان يعمل الخوص خفية ويعطيه لمن لا يعرف أنها له يبيعها، ثم يتقوت بها في رمضان، ومناقبه كثيرة جمع فيها بعض أصحابنا تأليفًا ذكر فيه كثيرًا- اهـ.
وذكر في موضع آخر أن صاحب الترجمة أقوى من جده موسى في العمل وأنّ جده أقوى منه في العلم قال: وكان شيخ الجماعة الفقهاء والصوفية، وتخرج به جماعة كالفقيه المحقق ابن آملال والفقيه القوري وأبي محمد الورياجلي وغيرهم، وما ذكر الشيخ بدر الدين القرافي من أن ابن غازي أخذ عنه لا يصح، وإنما أخذ عن أصحابنا كالقوري والبنجي، وحيث نقل عنه فإنما يقول فيه شيخ شيوخنا، وله نظم حسن مشهور في مسألة شهادة السماع نقله ونقل عنه الونشريسي جملة من الفتاوى كثيرة.
٢٦٠ - عبد اللَّه بن سليمان بن قاسم البجيري التونسي أبو محمد بن أبي الربيع.
الإمام الرحلة الراوية العلامة قاضي الأنكحة من معاصري الإمام ابن عقاب، أخذ عنه الشيخ مرزوق الكفيف وأثنى عليه وغيره.