رتبته. قال ابن الخطيب في الإحاطة: كان هذا الفاضل إمامًا في القرآن مبرزًا في تجويده مفسرًا زاهدًا في الفانية، رحيمًا بالمساكين جوادًا حتى بقوته، صادعًا بالحق كثير البكاء والخشوع، ألقي عليه من القبول ومحبة الخلق والتعظيم ما لا عهد بمثله، بلغ فيه مبلغًا عظيمًا حتى كان أحب إلى الناس من أنفسهم يترامون عليه في طريقه ويتمسحون بثيابه ويزاحم المساكين على بابه، عودهم طلاقة الوجه وحسن الخلق والمواساة ولو بالقوت، وربما فرق عليهم عجين خبزه إذا أعجلوه عن طبخه. له أخبار عجيبة في ذلك. ومن كراماته ما حدَّث به بعض الثقات أنه لما ولي خطابة جامع غرناطة دعا يومًا ناظر الحبس فقال له: انظر هذه الثريا التي في قبلة المسجد واختبرها فإن نفسي تحدثني أن الخشب الذي قد تعلقت به قد اختل، فجمع الناظر البنائين وكشفوا عنها فوجدها قد اندقت وكادت أن تسقط. وكان إذا أثنى عليه بمحضره يقول: اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما لا يقولون. ولد في حدود سبعة وستمائة وتوفي عام سبعة وعشرين وسبعمائة.
وقال في عائد الصلة: كان نسيج وحده حياء وصدقة وتخلقًا ومشاركة، نزل بسبتة عام أحد وسبعين وستمائة لما استولى العدو على طريف، فقرأ بها واستفاد، ثم دخل غرناطة وأقرأ بها فنون العلم بعد وفاة ابن الزبير، وجمع بين القراءة وتدريس الفقه والعربية والتفسير، ثبتًا محققًا لما ينقل، ألقي له من المحبة والقبول والتعظيم ما لم يعهد.
٩ - إبراهيم بن عبد اللَّه بن زيد بن أبي الخير اليزناسني (١).
الفقيه العالم الصالح أحد أعيان أصحاب الشيخ أبي الحسن الرزويلي، كان مفتيًا بفاس، قال تلميذه الرعيني في برنامجه:"كان رجلًا فاضلًا متناصفًا حافظًا مفتيًا قاضيًا لحوائج المسلمين ساعيًا في مصالحهم" اهـ. وكان حيًا بعد الأربعين وسبعمائة وله فتاوى كثيرة منقولة في العيار للونشريسي، وله حفيد جليل سميه إبراهيم بن محمد، سيأتي.
(١) كان حيًا سنة ٧٤٠. انظر ترجمته في: جذوة الاقتباس ٨٦، نفح الطيب ٥: ٢٥٢، شجرة النور الزكية ١: ٢١٨، وله إشارة في السند الصحيح الحسن ص ١٥٩، ٢٦١.