للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قلت: لعل ذلك لتعلمه منه أولًا، لا لتقليده آخرًا حين تبحر.

قلت: لا يجعل المجتهد حالة ابتدائه حجة لأنها انتسخت بأكمل منها فصار متبعًا للدليل مطلقًا مع أن ابتداءه لم يتمحض في مالك وإن لازمه أكثر من غيره، فقد أخذ عن الليث وعبد العزيز بن الماجشون وابن أبي حازم وغيرهم أيضًا فقد قال الشرف التلمساني أحد محققي الأئمة المتأخرين: لما مثل مجتهد المذهب الذي يخرج الوجوه على نصوص إمامه قال كابن سريج وأبي حامد في مذهب الشافعي وابن القاسم وأشهب في مذهب مالك وأبي يوسف ومحمد بن الحسن في مذهب أبي حنيفة، فهذا نص منه على تقليده لمالك.

ويؤيده قول ابن وهب لابن ثابت: إن أردت هذا الشأن يعني فقه مالك فعليك بابن القاسم فإنه انفرد به وشغلنا عنه بغيره، ولهذا رجح القاضي أبو محمد مسائل المدونة لرواية سحنون لها عن ابن القاسم وانفراده بمالك، وطول صحبته له لم يخلط به غيره، فهذا دليل تقليده له وأنه خزانة علمه. ولا يوصف المجتهد بأنه لم يخلط به غيره، وقد حكى الحارث بن راشد القفصي، وكان ثقة مجاب الدعوة يختم في كل ليلة من رمضان القرآن أنه لما وادع هو وابن القاسم وابن وهب مالكًا أنه قال لابن وهب: اتق اللَّه وانظر عمن تنقل، ولابن القاسم اتق اللَّه وانشر ما سمعت فهذا مالك أصل إفادته يأمره بنشر ما سمع، وناشر ما سمع بمعزل عن الاجتهاد المطلق، وبعيد أن يجهل مالك من حاله ما يعلمه غيره، وقد علم هو بما أوصاه به ووثق الناس بروايته عنه واختياراته وقبلوا منه ما لم يرضوه من نظرائه. قال النسائي: ابن القاسم رجل صالح ثقة ما أحسن حديثه وأصحه عن مالك لا يختلف في كلمة ولم يرو أحد الموطأ عنه أثبت من ابن القاسم، وليس أحد من أصحابه مثله لا أشهب ولا غيره، عجب من العجب زهد وفضل وحسن الحديث- اهـ.

ولهذا شرط أهل الأندلس في سجلات قرطبة قطب مدنها علمًا أن لا يخرج القاضي عن قول ابن القاسم ما وجده احتياطًا ورغبة في صحة الطريق الوصل لمذهب مالك الذي قلدوه لصحة روايته وطول صحبته له، لم يخلطه بغيره، ولو كان مجتهدًا مطلقًا لكانوا إنما قلدوه دون مالك، وهو خلاف ما

<<  <   >  >>