علم من أئمتهم حيث توغلوا في تقليده حتى شفع عنهم ابن حزم أحد حفاظها فقال: قد وصل أهل الأندلس في تقليد مالك حتى يعرضوا كلامه تعالى وكلام رسوله على مذاهب إمامهم فإن وافقاه وإلا طرحوه أخذوا بقول صاحبهم مع أنه غير معصوم، ولا نعلم بعد الكفر باللَّه تعالى معصية أعظم من هذا، فهذا ما وصفهم به من تقليد مالك، وإن كان على كلامه حديث ليس هذا محله.
وهم حين فتح الأندلس التزموا مذهب الأوزاعي حتى قدم عليهم الطبقة الأولى ممن لقي مالكًا كزياد بن عبد الرحمن والغازي بن قيس وقرعوس ونحوهم، فنشروا إمامته وفضله فأخذ الأمير هشام الناس حينئذ فالزموا مذهبه من يومئذ وحملوا عليه بالسيف إلا من لا يؤبه به حتى إن الأمير الحكم بن المستنصر، وكان ممن بحث عن أحوال الرجال بحثًا يقصر عنه كثير من العلماء حتى أن خزائن من كتبه في غاية الصحة بحيث إذا اطلع على ما قوبل بأصل منها ولو بوسائط اطلع في غاية الصحة، كتب إلى الفقيه أبي إبراهيم رسالة فيها وكان من زاغ عن مذهب مالك ممن زيد على قلبه وزين له سوء عمله، وقد نظرنا طويلًا في أخبار الفقهاء إلى الآن فلم نر مذهبًا أسلم منه فإن في المذاهب الجهمية والرافضة والمرجئة والشيعة إلا مذهب مالك فما سمعنا عن أحد قلده بشيء من البدعة فالتمسك به نجاة إن شاء اللَّه- اهـ.
فهل ترى مع هذا التصميم في هذا الاعتقاد خلفًا عن سلف أن يمنعوا الخروج عن قول ابن القاسم لاجتهاده وتركه قول مالك، بل ذلك لتقليده إياه وطول ملازمته له واطلاعه على مآخذه، وأيضًا فلا ينكر أحد أنه مالكي المذهب وناشره، والمجتهد مطلقًا لا ينسب لأحد سواه لا يقال إنما صدقت النسبة لأجل الاستفادة لأنا نقول يبطل بالشافعي فهو من الطبقة الوسطى من أصحاب مالك وكان يقول: مالك معلمي ومنه تعلمنا العلم، وما أحد أمنّ عليّ من مالك، وعنه أخذت العلم، وشبه هذا ولا يصدق عليه أنه مالكى لاجتهاده وكون مستنده الدليل.
فإن قلت: يدل على اجتهاد ابن القاسم مطلقًا مخالفة مالك في مسائل