قلت: إنما تتحقق مخالفته وإن لم يكن لمالك في المسألة إلا الرأي خالفه فيه ولعل له قولًا آخر رجحه ابن القاسم.
فإن قلت قوله أرى أو هو رأي إناطة للحكم برأيه فحمله على ما قلت خلاف الظاهر. قلت: ترجيحه ما صار إليه رأى الحقيقة بلا تأويل، يؤيده ما ذكره الباجي في فرق الفقهاء قال: جمع أبو عمر الاشبيلي أقوال مالك في كتاب كبير يزيد على مائة جزء قرأت بعضه، وكان شيوخنا يقولون لا يكاد يوجد قولة لأصحابه إلا وهي لمالك في ذلك الكتاب لأن الحكم بن عبد الرحمن أخرج الأسمعة من خزانته لأبي عمر وأمره بجمع أقواله حيث كان مقول الشيوخ لا يكاد يوجد الخ، دليل لما قلناه ونية بيان لما تقدم من صرفهم الهمة إلى أقوال مالك وتقليده. واختيارهم لابن القاسم لصحة التوصل لمذهبه، ونحو ذلك أيضًا ما ذكره بعض الأئمة أن ابن القاسم وأشهب اختلفا في قول مالك في مسألة "فحلف كل على نفي قول الآخر" فسألا ابن وهب فأخبرهما أن مالكًا قالهما معًا فحجا قضاء ليمينهما، فهما إمامان لازمًا، غاب عليهما قوله، فكيف بمن تأخر عنهما؟! ولو سلمنا عدم وجود مختاره لمالك فلا يدل على اجتهاده لجواز أنه رأى خروج مالك عن أصوله سهوًا فقاسه هو عليها، فلا يخرج بذلك عن تقليده.
ذكر أبو إسحاق الشيرازي أن أسدًا أتى إلى ابن وهب وسأله أن يجيبه في مسائل أبي حنيفة على مذهب مالك فتورع، فذهب إلى ابن القاسم فأجابه عنها بما حفظ عن مالك وفي غيره يقول: سمعته يقول في مسألة كذا وكذا ومسألتك مثلها، ومنها ما أجابه على أصول مالك، فهذا يحقق ما قلناه، فهذه الأسدية أصل مدونة سحنون أصلح ابن القاسم منها أشياء على يد سحنون، وأيضًا سلمنا اجتهاده في بعض المسائل لكن لا يخرجه عن التقليد، كما أن تقليد أقواله، وقد قال إسماعيل بن أبي أويس: قيل لمالك قولك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه والأمر عندنا وببلدنا وأدركت أهل العلم فقال: أما أكثر ما