ولا يكون في الدعاء إلا ما جعل فيه مولاه فقلب العارف يسرح في الملكوت بلا شك "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحب".
وسئل في مجلسه عن الحب فقال: أوله دوام الحب ووسطه الأنس بالمذكور وأعلاه أن لا ترى سواه، واختلف أهل مجلسه هل الخضر ولي أو نبي فرأى رجل صالح منهم معروف بالولاية تلك الليلة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال له: الخضر نبيّ وأبو مدين وليّ.
وذكر التادلي وغيره أن رجلًا جاء ليعترض عليه فجلس في حلقته فقرأ صاحب الدولة، فقال له أبو مدين: أمهل قليلًا ثمَّ التفت للرجل وقال له لم جئت؟ فقال لأقتبس من نورك فقال له: ما الذي في كمك؟ فقال مصحف فقال له افتحه واقرأ في أول سطر يخرج لك، ففتحه وقرأ أول سطر فإذا فيه {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا} الآية، فقال أبو مدين: أما يكفيك هذا فاعترف الرجل وتاب وصلح حاله.
وذكر صاحب الروض عن الشيخ الزاهد عبد الرزاق أحد خواص أصحابه قال: مرّ الشيخ في البلاد الغرب فرأى أسدًا افترس حمارًا وصاحبه جالس بالبعد على غاية الحاجة والفاقة وجاء أبو مدين وأخذ بناصية الأسد فقال له الشيخ: امسك الأسد واستعمله في الخدمة بموضع حمارك فقال: يا سيدي أخاف منه فقال: لا تخف لا يستطيع أن يؤذيك فمرّ بالأسد يقوده والناس ينظرون، فلما كان آخر النهار جاء الرجل معه الأسد للشيخ وقال: يا سيدي هذا الأسد يتبعني أينما ذهبت وأنا خائف منه لا طاقة لي بعشرته، فقال الشيخ للأسد: اذهب ولا تعد ومتى آذيتم بني آدم سلطتهم عليكم.
ومن مشهور كراماته أنه كان ماشيًا يومًا على الساحل فأسره العدو وجعلوه في سفينة فيها جماعة من الأسارى، فلما استقر في السفينة توقفت عن السير ولم تتحرك مع قوة الريح ومساعدتها، وأيقن الروم أن لا يقدروا على السير فقال بعضهم: أنزلوا هذا المسلم فإنه قسيس ولعله من أصحاب السرائر عند اللَّه تعالى فأشاروا إليه بالنزول فقال: لا إلّا إن أطلقتم كل من فيها من