للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكان يستحسنه ويثني عليه، وترك والده مالًا عريضًا فقال لأخيه تركت لك حقي منه فأبى فعزم عليه وقال: إن لم تقبله تصدقت به على الجذمى فقبله، فخرج عن أسباب الدنيا وتجرد للعبادة والزهد، ورد عليه الشيخ أبو مدين شعيب وتردد إلى مجلسه قال: كنت (١) يتعلق بقلبي كل ما سمعته منه فأنتفع به وما أسمع من غيره لا يتعلق بقلبي فذكرته له فقال: إن الكلام إذا خرج عن صدق من القلب صادف القلب فانتفع به قال: ولازمته فانتفعت به.

قيل: إنه دعا لبعض أصحابه بالعفو والعافية ثم قال له: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: ما حاجتك؟ فقلت: أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة فقال لي: قد فعلت، ثم قال: فلا أبالي بشيء يتقى فقد آمنني رب العزة ولذلك دعوت لك بهذا، قال المدعو له: واللَّه ما نالني مكروه قط بعد دعائه.

رحل لمراكش فدرس بها العلم وتوّب ناسًا وزهّد أميرها في الدنيا وكثر أتباعه وتلاميذه، وأخذ عنه ناس الطريق ففتح لهم كالشيخ أبي مدين وأبي عبد اللَّه التاودي فكانا أخوين فاضلين عارفين، أخذ هو عن جماعة اعتمد منهم عمه أبا محمد وشيخه ابن العربي، وكان نعى نفسه للناس فقال: لا أصول رمضان الآتي، ثم بعد أيام قصد صاحبًا له فقال له قدم لي طعامًا آكله فطعامك حلال فقدّم له خبزًا ولبنًا فأكل ثم دخل الحَمّام وقال لخدمة الحمام: لم يبق لكم من خدمتي إلا هذا اليوم فلما خرج منه أتى منزله فاستلقى على فراشه، فلما حان وقت صلاة العصر أتاه بعض تلامذة ليوقظه للصلاة فوجده ميتًا، وقبره بفاس من مزاراتها المتبرك بها، المجاب عنده الدعاء. توفي آخر شعبان سنة تسع وخمسين وخمسمائة -اهـ- ملخصًا.

قلت: قد زرت قبره مرارًا بفاس، والحمد للَّه تعالى.


(١) كذا في المطبوعة والصواب: كان يتعلّق.

<<  <   >  >>