الإمام الصدر العالم الخطيب الخطير النظّار الكبير، أوحد الزمان وفريد البيان العديم الاقران المفتي المؤلف المدرس المصنف الذاكر لأحوال العرب وأنسابها، حافظًا للغاتها وآدابها، له في العربية أوفر نصيب وفي التفسير والحديث والأصول والطب سهم مصيب، حتى ارتقى لدرجة عالية ورتبة سامية فشهد له بالفضل في الغيبة والعيان وأقر له صديقه وحاسده للدليل والبرهان، قرأت عليه التلقين والإيضاح للفاسي، وأبعاضًا من الجلاب وابن الحاجب الفرعي وتنقيح القرافي وفصيح ثعلب وألفية ابن مالك وأدب الكاتب لابن قتيبة وتأليفه المسمى بالتبصرة الكافية في علمي العروض والقافية على الخزرجية، وحضرت عليه كثيرًا من التفسير وكتب متعددة في علوم شتى.
وكان كثيرًا ما يتمثل بقول الشاعر:
وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحبًا بعد صاحب
فلم ترني الأيام خلا تسرني ... مباديه إلا ساءني في العواقب
ولا قلت أرجوه لدفع ملمة ... من الدهر إلا كان إحدى المصائب
ولذا كان لا يخالط الناس، مع نزاهة نفس وارتفاع همة، كثير الصمت فصيح اللسان لم أسمع مثل خطبه ووعظه، فيما رأيت من البلدان.
وغضب عليه بعض الجبابرة فأخرجه من بسطة إلى برشانة فأقام بها عشرة أشهر ثم عاد لبسطة إلى أن توفي بها في الوباء عاشر صفر عام أربعة وأربعين وثمانمائة وصلي عليه خارج المدينة لكثرة الناس في جنازته -اهـ- ملخصًا.
قلت: ووقع بينه وبين الإمام أبي القاسم بن سراج مفتي غرناطة نزاع في مسائل منها مسألة قبلة جوامع الأندلس المستقبلة لجهة الجنوب وغيرها، نقل بعضها في المعيار.