البحور، ويحلي من فرائده النحور، له تآليف وتصانيف فيها من العلوم صنوف؛ وهي من الآذان شنوف تقضي له بالظهور على غيره، وشفوف وقلائد، تتحلى بجمانها الخرائد، وتحسد حسنها نيرات الفراقد، ونثر بل نور، أو أنجم زهر.
كان أول طلبه رئيس الإنشاء بتونس فأحرز قصب السبق، ثم عطف إلى تعليم العلوم وعكف على تدريسها، فأفاد الأفراد، وأمتع جهابذة النقاد، وأسمع الأسماع ما اشتهى كل وأراد، إلا أنه مؤثر للرحلة قلّ ما ينضبط للطالب ولا يغتبط، إلا لذي فهم ثاقب وسهم في العلوم مسدد صائب، فمجلسه مجلس علم وإيناس، وتقريب لأناس وإبعاد لأناس، وكنت من الفريق الأول لا بالشك ولا بالتأويل، فأخذت عنه وأجازني -اهـ- ملخصًا.
قال ابن عرفة: دخلت مرة عليه داره فسألته عن شيء فقال لي: انظر في ذلك الكتاب وأشار لبعض كتبه قال: فجعلت أنظر كتبه فنهاني فقال: لا ينبغي للشيخ أن يطلع تلميذه على جميع أسراره -اهـ- بنقل السلاوي في إكمال الاكمال.
ومن تآليفه تقييد على معرب ابن عصفور نقل عنه فيه الجمال ابن هشام في شرح التسهيل، ويذكر عنه أنه دخل على سلطان وقته بتونس أظنه أبا عصيدة فوجده قد أكل فأنشده:
لقد فاتك الجدي يا بن الحباب ... بخبز سميذ كثير اللباب
ولم يبق منه سوى عظمة ... وذاك لعمري طعام الكلاب
فلما وصل في إنشاده إلى قوله: طعام بادره الفقيه ابن الحباب فقال: به طعامكم طعامكم.
قال بعض أصحابنا ففي كلامه تورية عجيبة ولكن لا ينبغي مثل هذا مع الملوك لقول أهل السياسة: إذا داعبت الملك فأجمل الأدب ووفه حق اللعب- اهـ. توفي عام أحد وأربعين وسبعمائة.