الإدراك جيد الفهم واشتهر فضله وذاع أرجه وفشا خبره، اضطلع بكثير من الأغراض وشارك في فنون فأصبح متلقف كرة البحث وصارخ الحلقة وسابق الحلبة مظنة الكمال ثم ترقى للمعرفة والاضطلاع وخاض لجة الحفظ، فقيّد وعلّق وسوّد وتكلم للناس فوق الكرسي بين الحفل المجموع مستظهرًا بفنون بعد شأوه فيها من عربية وبيان وأخبار وتفسير متشوقًا معها للسلوك مصباحًا للصوفية ريض نفسه وجاهد ثم عانى الأدب فكان أملك به.
رحل في طلب العلم كتب عن ولد السلطان أبي سالم بالمغرب وعرف بالإجادة ثم رجع مع السلطان ابن الأحمر لما رجع لملكه فخصه بكتابة سره معروف الانقطاع كثير الدالة مضطلعًا بالخطة خطًا وإنشاء ولسانًا ونقدًا فاشتهر فضله وظهرت مشاركته ووسع الناس تخلقه وامتد في النظم والنثر باعه، فصدر عنه قصائد بعيدة الشأو في الإجادة في أغراض متعددة، وهو بحاله الموصوفة.
أخذ عن ابن الفخار البيري ثم على إمامها القاضي الشريف أبي القاسم الحسني إمام فنون اللسان، والفقه والعربية على الأستاذ المفتي أبي سعيد بن لب واختص بالفقيه المحدث الصدر ابن مرزوق وروى عنه كثيرًا، وذاكر القاضي المقري لما قدم الأندلس، وقرأ الأصول على أبي علي منصور الزواوي، وروى عن القاضي أبي البركات ابن الحاج والمحدث أبي الحسن التلمساني والخطيب اللوشي والمقرئ أبي عبد اللَّه بن يبيش، وقرأ بعض الفنون العقلية بفاس على أبي عبد اللَّه الشريف التلمساني العلوني واختص به اختصاصًا لم يخل فيه من استفادة وحنكة في الصناعة.
وشعره مترام إلى نمط الإجادة خفاجي النزعة، كلف ببديع المعاني وصقيل الألفاظ غزير المادة، ولد في أربع شوال عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة -اهـ- من الإحاطة.
قلت: تولى الكتابة عن السلطان ابن الأحمر بعد ابن الخطيب وحظي عنده جدًا وبقي عليها زمنًا طويلًا، وكان حيًا سنة اثنين وتسعين وسبعمائة، كما ذكره في الكوكب الوقاد، ولم أقف على وفاته، ونقل عنه صاحب الإمام