لمحاسنها من طرف خفي فقالت: اتق اللَّه يا ابن الفتوح {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} فانتفع بكلامها فزهد في الدنيا فخرج من وطنه ولحق بفاس.
وهو أول من أشاع فيها مختصر خليل، وقال في الروض الهتون: أول من أدخل المختصر لفاس هو عام خمسة وثمانمائة، انتقل لفاس فأخذ الفقه عن شيخ الجماعة أبي موسى عيسى بن علال المصمودي ويقرئ ألفية ابن مالك بمدرسة أبي عنان، يقيم حاله بمرتبها، ثم عرضت عليه رئاسة درس الفقه بمدرسة العطارين فاستخار اللَّه تعالى فرأى في منامه عجوز شمطاء سيقت له في عمارية بأنواع الملاهي فعلم أنها الدنيا فلم يقبلها.
وكان يضيق ذرعه من مخالطة من لا يحفظ لسانه عن الغيبة وغيرها مما لا يليق ويتمنى أن يجد من يعينه على الخير فدله بعض النصحاء على الصالح عبد اللَّه بن حمد وأصحابه فرحل إليه لمكناسة، فظفر ببغيته، وكان، كما قيل، وافق شن طبقة، وافقه فاعتنقه.
وحدثني والدي عنه أنه يقصد المساجد الخالية ويعمرها بقراءة القرآن العزيز، وأنه أصابه الطاعون وهو يقرأ البخاري في مكناسة عند خزانة الكتب عام ثمانية عشر وثمانمائة فحمل لبيته في المدرسة، فلقن عند الموت فقال له: الشغل بالذكر عن المذكور غفلة.
وحدثني شيخنا العلامة القوري عنه أن سبب ارتحاله لفاس في طلب الفقه مسألتان، سئلنا عنهما فلم يحضرنا فيهما شيء مع شهرتهما، مسألة المكثر من النذر وهي في كتاب الإيمان والنذور من المدونة، ومسألة من اشترى جارية بشرط أنها ثيب فألفاها بكرًا، ما حضر أصحابنا فيها شيء غير أنهم قالوا هذا كمن تلف له قب ووجد حمامًا، وهي منصوصة في نوازل ابن سهل أنه إن شرطه لغرض ككونه شيخًا كبيرًا لا يطيق الافتراع أو حلف أن لا يطأ بكرًا ولا يملكها فله ردها وإلا فلا.
وحدثني شيخنا القوري أيضًا أنه مرضت إحدى يديه فلم يتمكن له