الأقصى، تحملها أجنحة نياتهم فتهوى إليه بمقاصدهم من كل فج عميق، فيجدون الثمرة المعروفة والكرامة المشهورة!
وقال ابن الزيات: كان أبو العباس قد أعطى بسطة في اللسان وقدرة على الكلام لا يناظره أحد إلا أفحمه، ولا يسأله إلا أجابه، كأن القرآن والحجج على طرف لسانه حاضرة، يأخذ بمجامع القلوب ويسحر العامة والخاصة ببيانه، يأتيه المنكرون للإنكار، فما ينصرفون إلا مسلّمين منقادين، وشأنه كله من عجائب الزمان.
وحدثني مشايخنا أنهم سمعوه يقول: أنا القطب. وحدثني أبو الحسن الصنهاجي، من خواص خدّامه، قال: خرجت معه مرة لصهريج غابة الرمان يوم عرفة، فجلسنا هناك وصلينا فقال لي: إنما سمي هذا اليوم يوم عرفة لانتشار الرحمة فيه لمن تعرف إليه بالطاعة. وقد فاتنا عرفة فتعال نمثل بهذا المكان، نعمل كما يعملون، ولعل اللَّه يتغمدنا برحمته معهم، فعمل مكانًا دائرًا بالعين الكعبة، ومحل عنصر الماء الحجر وموضعًا آخر في مقام إبراهيم، فطاف بالعين أسبوعًا وأنا أطوف بطوافه، وكثير على العنصر في كل طوافة، وصلى في مثل المقام ركعتين تامتين، وأطال في سجود الثانية، ثم استند إلى الشجرة ثم قال: يا علي اذكر كل حاجة لك من حوائج الدنيا تقضى فإن اللَّه وعد في هذا اليوم من تعرف له أن تقضي حوائجه، فقلت: ما أريد إلا التوفيق. فقال لي: ما خرجت معك إلى المدينة حتى وفقت، فسألته عن حال بدايته، وبم تنفعل له الأشياء ويستجاب له الدعاء، ولم صار يأمر بالصدقة والإيثار من شكا إليه حالًا أو تعذر عليه مطلوب في هذه الدار؟ فقال لي: ما آمر الناس إلا بما ينتفعون به، لأني لما قرأت القرآن وقعدت بين يدي الشيخ أبي عبد اللَّه الفخار ونظرت في كتب الأحكام، وبلغ سني عشرين سنة تدبرت قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} وقلت: إني مطلوب به، فبحثت عن الآية، فوقفت على أنها نزلت حين آخى -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الأنصار والمهاجرين، فسألوه أن يعلمهم حكم المؤاخاة، فأمرهم بالشاطرة ففهمت أن العدل المأمور به في الآية هو المشاطرة.