للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتى قال فيه الإمام ابن رشيد، وهو من هو: لم أر عالمًا بالمغرب إلّا رجلين: ابن البنا العددي المراكشي، وابن الشاط بسبتة- اهـ.

نقله أبو زكريا السراج في فهرسته في ترجمة شيخه الرعيني عنه عن ابن رشيد وقال غيره: كان إمامًا معظمًا عند الملوك، أخذ من علوم الشريعة حظًا وافرًا، وبلغ في العلوم القديمة غاية قصوى ورتبة عليا، قال تلميذه أبو زيد عبد الرحمن اللجاني: كان شيخنا وقورًا حسن السيرة قوي العقل، مهذبًا فاضلًا حسن الهيئة، معتدل القد أبيفض رفيع الثياب، ويأكل طيب المآكل، يديم السلام على من لقيه، ما تحدث معه أحد إلا انصرف عنه راضيًا، محبوبًا عند العلماء والصلحاء، حريصًا على الإفادة بما عنده، قليل الكلام جدًا، لا يتكلم بهذرٍ ولا بما يخرج عن مسائل العلم، وإذا تكلم في مجلس سكت لكلامه جميع من فيه، محققًا في كلامه قليل الخطأ. وقال ابن شاطر: كان ينظر في النجوم وعلوم السنة مشتغلًا بها، أخذ في الطريقتين بالحظ الوافر، يلازم الولي أبا زيد الهزميري، ودخل في طريقته فأعطاه ذكرًا من الأذكار، ودخل به الخلوة نحو سنة ودعا له وقال له: مكّنك اللَّه من علوم السماء كما مكنك من علوم الأرض، فأراه ليلة وهو متيقظ (١) دائرة الفلك مشاهدة حتى عاين مجرى الشمس فوجد في نفسه هولًا عطيمًا فسمع الشيخ أبا زيد يقول: اثبت يا ابن البنا حتى رأى ما رأى مستوفيًا، قال له الهزميري: إن اللَّه تعالى قد فتح لك فيما أراك، فأخذ من وقته في علم الهيئة والنجوم حتى أدرك منه الغاية.

وكان يستعمل الصوم والخلوة طلبًا لتصفح (٢) أمر الفلك يدوم فيها أيامًا فرأى بين يديه في صلاة يصليها صورة قبة نحاس مصنوعة لم ير مثلها في عالم الحس، والقبة محبوسة في الهواء وفي داخلها شخص يتعبد، فهاله ذلك ولم يثبت لما رأى من صور مفزعة حُفَّت بها وأصوات هائلة تناديه: أن ادْنُ مِنّا يا ابن البنا، فلم يقدر على الثبات فأغمي عليه وبلغ خبره الشيخ أبا زيد، فجاء ومسح على صدره ورأسه وأزال عنه ما صنع له من الدواء ورجع في الحين إلى


(١) مستيقظ، كذا في الجذوة.
(٢) كذا في الطبعة المصرية. وفي جذوة الإقتباس: لتصحيح.

<<  <   >  >>