سلكتها الدولة بإزاء رجال الدين العرب ولا كيف كان تأثيرها في نفوس هؤلاء، وفي نفوس الجماهير الشعبية، وخاصة في كبريات المدن كفاس ومراكش وسبتة وطنجة، والى أي مدى بلغ انتشارها وكان نجاحها؟
وأما نحن فنستطيع أن نقول في قليل من التردد والحذر، إنه ربما كانت هذه السياسة من تقليد الموحدين الأعمى لابن تومرت، واقتداهم به في إلقائه دروسه بالعربية والبربرية، وكتابته تأليفه باللغتين؛ فإن يكن ذلك كما قلنا، فإنه من الأغلاط الفادحة، والأخطاء الفاحشة. وعجيب صدوره من عبد المؤمن العارف بمقتضيات الأحوال، ومناسبات الأمور إذ أن الظروف الزمانية والمكانية التي اضطرت المهدي إلى ذلك، هي غير الظروف التي قامت فيها دولة عبد المؤمن وتمركزت.
فإن تومرت كان مفتقراً إلى حماية البربر له، ومضطراً إلى مصانعتهم لمساعدته في القيام بنشر دعوته، وهو مع ذلك قد بث العربية في تلك الأوساط البربرية البحت، وارتكب أعجب الأساليب في تلقينها لمن يجهلونها (١).
ولم يستعمل البربرية إلا بقدر الحاجة إليها. أما عبد المؤمن فقد كان على الضد من ذلك كله، إذ كان طور التأسيس وتأليف البربر قد انتهى بالنسبة إليه، وأصبح هو وحده صاحب النفوذ المطلق في البلاد، بعد أن قضى على المرابطين، وأنشأ الدولة الموحدية باسم الدين. فلم لم يرسم لغة القرآن، ويستغني بها عن غيرها؟ ولم هذا التعصب للبربرية الذي أدى إلى تنحية رجال الدين عن وظائفهم، وإحلال أخرين ربما كانوا أقل منهم علماً وإخلاصاً في محلهم؟ لا نرى ما يسوغ لعبد المؤمن هذا التصرف الغريب، اللهم ألا أن يكون باعثه عليه أحد أمرين كلاهما يرجح الآخر:
١ - فإما أن يكون مراده تحدي العرب بذلك، ليتوسل إلى أبعادهم عن
(١) من ذلك فيما حكى المؤرخون، أن طائفة من المصامدة عسر عليهم حفظ الفاتحة لشدة عجمتهم فعدد كلمات أم القرآن، ولقب بكل كلمة منها رجلاً منهم، وصفهم صفاً، وقال لأولهم: اسمك الحمد لله، والثاني رب العالمين وهكذا حتى تمت كلمات الفاتحة، ثم قال لهم: لا يقبل الله منكم صلاة حتى تجمعوا هذه الأسماء على نسقها في كل ركعة، فسهل عليهم الأمر، وحفظوا أم القرآن.