مواقف الزعامة الدينية، ومواطن قيادة الفكر العام خوفاً من انتقادهم عليه في يوم ما، ونبذهم طاعته بالعراء كما حدث بالفعل في أيامه الأولى، فقد ثاروا ضده مرتين، مرة في سلا بقيادة ابن هود، ومرة في سبتة بقيادة القاضي عياض. ولا نرتاب في أن ثورة ابن هود كانت سياسية محضة، لاتباعه خطة المهدي حذو القذة بالقذة، أملاً في النجاح الذي حصل للمهدي، وقد ساعده الحظ في أول الأمر، وكتب له النصر في جميع المواقع حتى كاد يتغلب على جميع مملكة عبد المؤمن الشاسعة.
ويقول ابن أبي زرع: أنه لم يبق بيد عبد المؤمن إلا مراكش فقط، إلا إن صاحب الحلل الموشية قال: إن فاساً بقيت معه كذلك. ثم دارت عليه الدائرة، وتمكن عبد المؤمن من إخماد ثورته ورجع الأمر إلى نصابه.
وأما ثورة القاضي عياض، فقد كانت مزيجة بين دينية وسياسية، ولكنها دينية أكثر منها سياسية، إذ أن أهل سبتة، قاوموا الموحدين أو نزوعاً منهم عن الخضوع السلطة بدعية تعتقد في الإمام، والعصمة، ما ينكره أهل السنة الذين كان عياض من زعمائهم، فهذه وجهة نظر عياض ومن كان معه من العلماء السنيين أيضاً ولكن لما سقطت كل البلاد المغربية في حوزة الموحدين، لم يبق لهم إلا التسليم طوعاً أو كرهاً، وهو الذي كان، ثم لما حدثت ثورة ابن هود، اغتنم القوم الفرصة، فأعادوا الكرة استينافاً لتأييد رأيهم الأول، وتحدياً لسلطة الموحدين التي رأوا منها انحرافاً ظاهراً عنهم، ولربما اشتموا منها رائحة الغدر بهم، وقد اضطروا أخيراً إلى التسليم أيضا، وتشتت شمل القائمين بالثورة، وتربص ببعضهم حتى توفي حتف أنفه.
٢ - وإما أن يكون أراد استرضاء البربر بذلك، واستبقاءهم على حالهم الأول، إذ كان قد تقرر عندهم أنهم أهل التوحيد الحق، والإسلام الصحيح، وغيرهم مبتدعة ومقلدون، لا يصح الاقتداء بهم كما لا يصح أن يقفوا مواقف الوعظ والإرشاد لئلا يضلوا العامة، وينحرفوا بهم عن مذهب الدولة، فهو قد اتخذهم تكأة يستند إليها في إقامة سلطانه ببث المذهب المهدوي الإمامي في الناس.
ومعلوم إن ليس من يقرره للعامة، ويبينه لهم إلا البربر الذين تلقوه عن صاحبه مباشرة إذ كانت أكثرية الرعية وجل أهل العلم، إن لم نقل كلهم في البلاد سنيين، لا يرضون بالدخول في ذلك المذهب، فأحرى أن يقوموا بالدعاية له.