هذا أو ذاك هو ما يكون الحامل لعبد المؤمن على سلوك هذه السياسة الرجعية كما حبب إلينا أن نسميها، ولئن كنا لا نعرف متى توقف العمل بها، فإننا نعرف أن حظها في النجاح كان قليلاً جداً، إذ لم يكن لها تأثير ما في ناحية من نواحي النهضة الأدبية المستجدة في ذلك العهد، إما لحصرها في دائرة مخصوصة، وهي الدعاية الدينية كما علمت؛ وإما لأن الموحدين أنفسهم كانوا لا يساعدون تقدمها في السر، وإن ساعدوها في العلانية، فلذلك لا خوف على العربية ما دامت دائرة انتشار البربرية محصورة، لم تشمل من المرافق العامة، والمصالح المشتركة سوى ما ذكر؛ زد على ذلك أن الأغلبية التي لا تغالب عربية، فهي لا تتأثر بهذه الشرذمة القليلة من الدعاة البربريين، كما أن أهل الكفاءة والاستعداد الذين احتلوا المناصب الرفيعة والمراتب العالية في الدولة بالرغم عنها، وبحكم مساس الحاجة إلى مؤهلاتهم العلمية ومواهبهم العقلية، كلهم عرب مغاربة وأندلسيون، فلا خوف على ما كان أولئك القادة حاميته وذادته. وهكذا لم يلبثوا أن صبغوا الدولة بالصبغة العربية، وطبعوها بطابعهم الصميم.