للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعروض والبيان، فقد كانت لها سوق راثجة وكان اللغويون المعنيون بحفظ متن اللغة كاللغويين الباحثين في مسائلها يأتون بالطريف المعجب في تسمية الأشياء وتحقيق معاني الألفاظ. فهذا المحدث أبو الخطاب بن دحية السبتي يقول الغبريني عنه في عنوان الدراية: «إنه كان من أحفظ أهل زمانه باللغة حتى صار حوشي اللغة عنده مستعملاً غالباً عليه. ولا يحفظ الإنسان من اللغة حوشيها إلا وذلك أضعاف أضعاف محفوظه من مستعملها». وروي أن والي بجاية جهز قطعاً بحرية بعث فيها بعض الغزاة إلى المغرب فأخذ خديم لأبي الخطاب في جملة هؤلاء الغزاة أثناء إقامته ببجاية. فكتب إلى الوالي رسالة مغلقة من كثرة ما استعمل فيها من الغريب، فلم يفهم الوالي معناها حتى استحضر كتب اللغة؛ الصحاح وغيره. ولم تتضح له حتى سافرت المراكب. قال الغبريني:

«وهذا أقل عوارض الخروج عن العادة وعدم سلوك السبيل الجادة» وإن كان ذلك الوالي لمزيد اعتنائه بالشيخ أبرد برد خديمه. فصرف إليه بعد أن وصل إلى وهران. وهذه الرسالة الغريبة سنوردها في المنتخبات. وكذلك أخوه أبو عمرو بن دحية السبتي كان مثله في الحفظ للغة والذكر لغربيها، فضلاً عن كونه من رجال الحديث كأخيه. وروى ابن رشيد في رحلته عنه بواسطة، أنه دخل إلى إشبيلية قادماً من بلنسية فجاء إلى جامع العدس بها قال: فجاءني رجل فسألني من أين جئت؟ قلت رحلت من بلنسية في طلب علو الرواية في الحديث فقال: هل تذكر شيئاً في اللغة؟ فقلت هي بضاعتي. فقال ما اسم البصل في لغة العرب؟ فقلت الدوفص. فقال: وما شاهده؟ فقلت له قال الحجاج لطاهيه: اطبخ لنا عربربية (١) وأكثر دوفصها. قال فولي عني ثم أقبل ومعه مملوك بيده سبنية (٢) بثياب وقرطاس فيه مائة دينار فدفعها إلي وقال استعن بهذا على طلب العلم. وقال أنا ابن زهر ألفت كتاباً في الطب ذكرت فيه جميع الأعشاب (بجميع الأسماء وعجزت عن اسم آخر للبصل بالعربية) فالآن قد تم الكتاب (٣) ثم قال هذا قليل في حق مسألة من العلم.


(١) أي طعاماً مصنوعاً من العربرب، والعر برب هو حب السماق نوع من الشجر حامض الطعم.
(٢) أي منديل فيه كوة. وانظر تفسير سبنية في بحث عاميتنا والمعجمية في كتابنا «خل وبقل».
(٣) ما بين الهلالين ممحو من مخطوطة الرحلة المنقول عنها وهي المودعة بمكتبة الإسكوريال. وما أثبتناه هو الأقرب للمعنى المراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>