أشرف منه من أنواع الفلسفة. وكان من صحبه من العلماء المتفننين أبو بكر محمد بن طفيل أحد فلاسفة الإسلام. له تصانيف في أنواع الفلسفة من الطبيعيات والإلاهيات. وكان يأخذ الجامكية مع عدة أصناف من الخدمة من الأطباء والمهندسين والكتاب والشعراء والرماة والأجناد؛ إلى غير هؤلاء من الطوائف. قال المراكشي: «وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له. بلغني أنه كان يقيم في القصر عنده أياماً ليلاً ونهاراً لا يظهر. ثم قال: «ولم يزل أبو بكر هذا يجلب إليه العلماء من جميع الأقطار وينبهه عليهم ويحضه على إكرامهم والتنويه بهم، وهو الذي نبهه على أبي الوليد بن رشد، فمن حينئذ عرفوه ونه قدره عندهم. أخبرني تلميذه الفقيه الأستاذ أبو بكر بن داود بن يحيى القرطبي قال، سمعت الحكيم أبا الوليد يقول غير مرة: لما دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب وجدته هو وأبو بكر بن طفيل ليس معها غيرهما. فأخذ أبو بكر يثني علي ويذكر بيتي وسلفي ويضم بفضله إلى ذلك أشياء لا يبلغها قدري. فكان أول ما فاتحني به أمير المؤمنين بعد أن سألني عن اسمي واسم أبي ونسبي أن قال: ما رأيهم في السماء، يعني الفلاسفة، أقديمة هي أم حادثة، فأدركني الحياء والخوف فأخذت أتعلل وأنكر اشتغالي بالفلسفة، ولم أكن أدري ما قرار معه ابن طفيل، ففهم أمير المؤمنين مني الروع والحياء؛ فالتفت إلى ابن طفيل وجعل يتكلم على المسألة التي سألني عنها ويذكر ما قاله أرسطوطاليس وأفلاطون وجميع الفلاسفة. ويورد مع ذلك احتجاج أهل الإسلام عليهم، فرأيت منه غزارة حفظ لم أظنها في أحد من المشتغلين بهذا الشأن المتفرغين له، ولم يزل يبسطني حتى تكلمت؛ فعرف ما عندي من ذلك، فلما انصرفت أمر لي بمال وخلعة سنية ومركب. قال وأخبرني تلميذه المتقدم الذكر عنه، قال: استدعاني أبو بكر بن طفيل يوماً فقال لي: سمعت أمير المؤمنين يشتكي من قلق عبارة أرسطوطاليس أو عبارة المترجمين عنه، ويذكر غموض أغراضه ويقول: لو وقع لهذه الكتب من يلخصها ويقرب أغراضها بعد أن يفهمها جيداً لقرب مأخذها على الناس، فإن كان فيك فضل قوة لذلك فافعل. وإني لأرجو أن تفي به لما أعلمه من جودة ذهنك وصفاء قريحتك وقوة نزوعك إلى الصناعة، وما يمنعني من ذلك إلا ما تعلمه من كبرة سني واشتغالي بالخدمة (كان وزيراً ليوسف) وصرف عنايتي إلى ما هو أهم عندي منه. قال أبو الوليد: فإن هذا الذي حملني على تلخيص ما لخصته من كتب الحكيم أرسطوطاليس».