الذي كان يتشبه بابن هانئ، متنبي المغرب، في القصد إلى الألفاظ الرائعة والقعاقع المهولة، وإيثار التقعير، كما نراه من جهة الرقة والانطباع ممثلاً في الوزير ابن عطية الذي يشبه الوزير ابن عمار في كثير من أحواله.
والخلاصة أن الأدب المغربي هو غير الأندلسي، وأنه لم يتأثر به إلا نسبياً، لأن الأدباء المغاربة من غير شك كانوا يتعمدون مخالفة طريقة زملائهم الأندلسيين في الشعر والنثر، قصد مقابلة التحدي بمثله. فإن الأندلسيين كانوا يكثرون على المغاربة من تعداد محاسن أدبائهم، وابتكارات شعرائهم، التي بذوا بها غيرهم، كما ترى ذلك في رسالة الشقندي التي مرت الإشارة إليها. ولم يكن لدي من أخذوا أنفسهم بالتأدب لكم الأفواه الصاخبة، بتعجيزهم، إلا أن يقرعوا الحجة بالحجة، ويعارضوا الدليل بالدليل. وهذا غير السرق والتقليد. زيادة على أن هؤلاء، لم يكونوا قد استغرقوا في الحضارة والمدنية، وانغمسوا في الرفاهية والبلهنية كما كان ذلك حال الأندلسيين؛ فكانت تغلب عليهم رقة الطبع ودقة التصوير. بل كانوا لا يزالون أقوياء النفوس، أقوياء الطباع، كما كان الشاب في شعراء المشرق الذين نظرنا بهم وهم عرب أقحاح، تنقلوا في البادية، واعتادوا على خشونتها فغلبت عليهم متانة الأسلوب وجزالة اللفظ.
وبناء على هذا، فإننا نستطيع أن نقول إن الأدب المغربي منذ نشأ إلى أن ترعرع، كانت له في الغالب طريقة غير طريقة الأدب الأندلسي، ولا نستشهد على ذلك غير أديب بارع من أدباء الأندلس، بل خاتمة أدبائها، وهو الوزير أبو عبد الله بن زمرك الذي تحدث عن هذا الأدب إلى علم من أعلام الفكر الأندلسي وهو الإمام الشاطبي، بعد رحلة قام بها إلى المملكة المغربية. وهاك ما قاله الشاطبي في
كتابه (الإنشادات والإفادات) حسبما رواه المقري في النفح: «أفادني صاحبنا الفقيه الكاتب أبو عبدالله بن زمرك إثر إيابه إلى وطنه من رحلة العدوة في علم البيان فوائد أذكر منها الآن ثلاثاً، (الفقه في اللغة) وهو النظر في مواقع الألفاظ، وأين استعملتها العرب، ومن مثل هذا الوجه - قرم وعام - اذا اشتهى، لكن لا يستعمل قرم إلا مع اللحم، ولا يستعمل عام إلا مع اللبن فتقول عمت إلى اللبن، وكذلك قولهم أصفر فاقع، وأحمر قاني، ولا يقال بالعكس وهذا كبير، (والثانية) تحري الألفاظ البعيدة عن طرفي الغرابة والابتذال، فلا يستدل