بالحوشيى من اللغات، ولا المبتذل في ألسن العامة، (والثالثة) اجتناب كل صيغة تخرج الذهن عن أصل المعنى أو تشوش عليه، إذ المقصود الوصول إلى بيان المعنى إلى أقصاه، والإتيان بما يحصله سريعاً ويمكنه في الذهن، وتحري كل صيغة تمكن المعنى وتحرض السامع على الاستماع، (وأخبرني) أن كتاب المغرب يحافظون في شعرهم وكتابتهم على طريقة العرب، ويذمون ما عداها من طريقة المولدين، وأنها خارجة عن الفصاحة، وهذه المعاني الثلاثة لا توجد إلا فيها».
وهذا الكلام إن كان قيل في أدباء العصر المريني فهو بأن يصدق على أدباء هذا العصر أولى؛ لأن هذه الصفات التي ذكرها ابن زمرك تتحقق فيهم أكثر من غيرهم ضرورة أن الثقافة الأدبية، بل الثقافة على العموم كانت في هذا العصر أوسع وأمتن منها في العصر المريني، وأن الروح المعنوية التي تنعكس في أقوال الأدباء، وإنتاج الكتاب لم تبلغ في عصر من عصور المغرب، ما بلغته في هذا العصر من القوة والظهور. ولا يبعد أن يكون ابن زمرك في كلمته تلك قصد الحكم على الأدب المغربي بعامة مما يشمل العصر الموحدي والعصر المريني، سيما وقد بقيت تلك الصفات هي سمة الأدب المغربي إلى العصر الأخير، وأعني به العصر العلوي، حين جاء العلامة الشيخ محمد بيرم التونسي صاحب كتاب «صفوة الاعتبار» فأكد قول ابن زمرك بما لا يخرج عن مضمونه في اللفظ ولا في المعنى.
والخلاصة، إن تحري الفصاحة والصدق وطرح التصنع والابتذال كانت وما زالت من أهم ميزات الأدباء المغاربة، وهم لذلك أقرب ما يكون من طريقة العرب وشعراء العصور الأولى من عصور الأدب العربي.
ويلوح لنا إننا بلغنا الغاية في تصوير الحياة الأدبية الموحدية على ما وصل إليه علمنا منها، فلنصنع هذه الصورة إطاراً من تراجم الأدباء المذكورين فيها يزيدها على حسنها حسناً.