لا اليائس، ثم أقبلوا على إفريقية فلم يغن حذر من قدر، وكانت هي السبب في ضعفهم وانحلال قوتهم، كما لو ذهبوا إلى الأندلس فيما كانوا يقدرون. وقولنا أنهم انصرفوا عن الأندلس ليس على إطلاقه فقد قدمنا أنهم كانوا يقيمون فيها الربط والمقاتلين، بل لقد كان ملوكهم كثيراً ما يعبرون إليها فيقيمون فريضة الجهاد خالصة نباتهم في ذلك، نقية ضمائرهم. ولقد قاموا بأكثر مما يجب عليهم من ذلك، ولاقوا من العدو الذي كان يراوغهم، ويعبث بالعهود التي يعقدونها معه، أذى كثيراً، وكان يتعرض لسخطهم فينزلون به أشد أنواع النقمة، وأقسى ألوان العقاب وهم في ذلك محقون ومنصفون؛ وكل من علم بعد الشُّقة، وتحقق صعوبة ركوب ثبج البحر في ذلك العصر لإنقاذ المستصرخين، وحماية الضعفة من أهل الأندلس، عذر هؤلاء المغيرين إذا أتوا حنقين غضابي؛ فاقتصوا منه على قدر فعله، وجازوه بما يستحق، فإنه كان يتركهم حتى يعودوا إلى مواطنهم بعد أن يكونوا عقدوا معه الهدنة التي يكون هو الطالب لها، فينقض على جواره من المسلمين، ويفعل فيهم الأفاعيل، فما إن يصل الصريخ إلى فاس وتأتي النجدة حتى ينفذ الوعيد ويسبق السيف العذل. وهكذا كان احترام الأوربيين للعهود الدولية في القرون الوسطى - ولا يزال - معلقاً مصالحهم الآنية وبما تمليه إمكانياتهم وظروفهم الحربية فقط لا غير.
ولكن دعنا من هذا، ولننظر في موقف ملوك بني نصر الأندلسيين بإزاء الدولة المرينية لنتعرف بعد ذلك على من تقع مسؤولية ضياع الأندلس، فقد رأينا من قبل موقف الأندلسيين المرذول، موقف الفضيحة والعار، والخيانة والخذلان، في وقعة العقاب المشؤومة، حتى تسببوا في تصدع أركان تلك الدولة الشامخة وأدخلوا الضعف على الأمة المغربية التي لم تكن تعرفه من قبل. وفي أيام المرينيين، نجد أن هؤلاء الذين سموا أنفسهم ملوكاً، بينما يستنجدون بأسود العرين من بني مرين، فيخف هؤلاء لمساعدتهم وإنقاذهم بدافع الرغبة في الجهاد والذب عن بيضة الإسلام، إذ يتحالفون مع الأعداء عليهم؛ فلا يكاد جنود المغرب يركبون البحر، حتى يجدوا العدو في أساطيل أولئك المستصرخين كامناً لهم، معترضاً كالشجي في حلق الزقاق، فتنشب الجرب، ويشتد ضرامها. فأما حين يكتب النصر للمسلمين وهو الغالب، فإن الناكثين يعتذرون ويقدمون أنفسهم للخدمة، ولا يعدمون من وسائل النفاق، وأساليب الخداع، ما يسترضون به السلطان؛ وأما في حال غلبة العدو، فإنهم يولونه أيضاً الأدبار خشية تقويه